تعد التحويلات المالية التي يرسلها أبناء غواتيمالا وغيرهم ن دول أمريكا الوسطى، الذين هاجروا ويعملون في الولايات المتحدة الأمريكية، رافدا هاما للدخل في البلاد، كما أنهم أصبحوا من أهم أدوات قوة العمل في أمريكا.
العمالة المهاجرة
وأوضح تقرير نشرته مجلة «فورين أفيرز» أن المنازل الحديثة في مدن غواتيمالا، اعتمدت في إقامتها على أموال التحويلات من أبناء البلاد الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة، ويعملون بها. ونقل التقرير عن جاسينتيو دياز (24 عاما) من أهالي مدينة كاجولا في غواتيمالا قوله «كل شيء في كاجولا، من الأعمال التجارية إلى المنازل، أقيمت من خلال التحويلات المالية من الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة.. لا يوجد شخص واحد هنا يمكنه فقط بناء منزل، والتحويلات هي التي تفعل ذلك، الجميع هنا يعتمدون على التحويلات، من الجزار إلى أي صاحب عمل».
وإذا كان المثل يقول أن مصائب قوم عند قوم فوائد، فإن ذلك ينطبق على المهاجرين من أبناء دول أمريكا اللاتينية والوسطى إلى أمريكا، وعلى سبيل المثال في غواتيمالا، فقد كانت تحويلاتهم تتراوح حول 747 مليون دولار في شهر مارس 2020، قبل ظهور الجائحة، أما بعد ظهورها فقد تضاعفت التحويلات لتصل إلى 1.51 مليار دولار خلال شهر ديسمبر 2021، وفقا للاحصاءات الصادرة عن البنك المركزي في غواتيمالا. ونظراً لذلك، وبينما كانت دول العالم النامية تعاني خلال الجائحة من تراجع النشاط الاقتصادي، إلا أن الكثير من المدن في دول أمريكا اللاتينية، مثل مدينة كاجولا في غواتيمالا، شهدت انتعاشة ملحوظة.
وأكد التقرير أنه من المتوقع أن يستمر ذلك الانتعاش، نظرا لأن الولايات المتحدة تعاني حاليا مشكلة نقص العمالة، بينما طرحت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، خطة «إعادة بناء أمريكا»، والتي تتضمن إعادة بناء وتأهيل الطرق والجسور والبنية التحتية، بتكلفة تصل إلى حوالي نصف تريليون دولار، وهو ما يعني أن جزء من تلك الأموال ستذهب إلى العمالة المهاجرة في أمريكا القادمة من دول أمريكا الجنوبية، وبذلك فقد تؤدي خطة إعادة بناء أمريكا إلى إنعاش اقتصاديات تلك الدول.
أمريكا والعمالة المهاجرة
ولفت التقرير إلى أن الاقتصاد الأمريكي اعتمد على العمالة المهاجرة، من دول مثل المكسيك ودول أمريكا الوسطى، لفترات طويلة، فخلال العقود الماضية، كان المهاجرون من المكسيك هم من يسدون النقص في العمالة في الولايات المتحدة، في مجالات شتى؛ مثل مواقع البناء، والاعتناء بالمحاصيل والزراعة، والعمل في المصانع، وكلها وظائف لا يرغب معظم الأمريكيين في العمل بها، حسبما يقول رئيس معهد سياسة الهجرة ومقره واشنطن، أندرو سيلي.
وأوضح التقرير أنه مع تراجع هجرة العمالة القادمة من المكسيك في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، بدأت الهجرة في دول أمريكا الوسطى في الانتعاش، بسبب الحروب الأهلية في غواتيمالا والسلفادور، ونجح هؤلاء المهاجرون في سد الفجوة في نقص سوق العمل، حيث تشير التقديرات إلى أن عدد القادمين من أمريكا الوسطى ويعيشون في الولايات المتحدة، يصل إلى حوالي 3.8 مليون شخص.
فوائد كبيرة
ولفت التقرير إلى أنه مع ظهور جائحة كورونا، كانت التوقعات تشير إلى احتمال تراجع التحويلات، ونقل التقرير عن الباحث الذي يدرس التحويلات المالية في جامعة سان كارلوس في غواتيمالا، أوبالدو راميريز قوله «ما حدث هو العكس.. فقد شعر المهاجرون الذين يعملون في الولايات المتحدة، بالقلق على أسرهم في دولهم، وأرسلوا المزيد من التحويلات».
وأشار التقرير إلى نقطة أخرى حول التحويلات، حيث أن الكثير من النشاط الاقتصادي في دول أمريكا الوسطى قد أصابه الجمود بسبب الجائحة، حيث تقول لوسيا أريسلي فيل (26 عاما) أن زوجها هاجر لأمريكا للعمل في البناء، بعد أن مرض طفلتها (8 سنوات) وهددت الفواتير الطبية بتدمير الأسرة اقتصاديا، كما أنها كانت تعمل في خياطة الملابس، ولكن عملها أصابه الجمود، وظلت الأسرة صامدة بفضل التحويلات المالية من زوجها في أمريكا، كما ساعدت تلك الأموال في علاج طفلتها، وأضافت قائلة «لم يكن هناك شيء.. كل ما لدينا هو التحويلات».
توقعات بزيادة التحويلات
وتوقع التقرير أن تزيد التحويلات العالمية بقيمة حوالي 31 مليار دولار هذا العام، وقال رئيس معهد سياسة الهجرة إنه في الأمريكتين، سيأتي جزء كبير من التحويلات من اعتماد الولايات المتحدة على العمال المهاجرين، خاصة في ظل برامج التعافي الاقتصادي لإدارة بايدن واستثمار 550 مليار دولار في البنية التحتية، وسط ما يسمى بـ«الاستقالة الكبرى»، وهو أكبر نقص في العمالة واجهته الولايات المتحدة الأمريكية منذ سنوات.
ومضى يقول «رغم حواجز الهجرة المتزايدة ومشاكل التأشيرات، فإن عمل المهاجرين سيلعب بالتأكيد دورا محوريا، لن تقوم الإدارة الأمريكية بتوظيف أشخاص ليس لديهم إقامة قانونية في على الأراضي الأمريكية، ولكن سيكون هناك الكثير من المتعاقدين من الباطن الذين يوظفون أشخاصا موجودين في أمريكا بدون وثائق».