سلمى العالم

لم يكن قلم الإعلامي رائد برقاوي، في باكورة أعماله الذي أصدره مؤخراً خلال فعاليات مهرجان طيران الإمارات للآداب، كتاب «من يجرؤ على الحلم - كيف حوّل محمد بن راشد حلمه إلى حقيقة»، غريباً أو بعيداً عن قلمه الصحفي في كتابة المقالات الاقتصادية.

عن الكاتب

برقاوي، شخصية إعلامية بارزة، وكاتب من الطراز الرفيع، يكتب مقالاً أسبوعياً بالشأن الاقتصادي منذ عام 2003، ويشغل حالياً منصب رئيس التحرير التنفيذي بصحيفة الخليج، التي تعد إحدى أعرق المنشورات الصحفية اليومية في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي من أشهر الصحف اليومية في الدولة ومنطقة مجلس التعاون الخليجي. كما اختارته مجلة «أريبيان بيزنس» ضمن قائمة «أبرز 100» شخصية تأثيراً في الإمارات.

فمن الصعب تجريد الخبرة الاقتصادية في قراءة المشهد والظروف، عن كتاب يروي فيه برقاوي تجربته ومتابعته على مدى 3 عقود لإنجازات دبي وقائدها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الذي رسخ فلسفته في تحقيق الأحلام وجعلها واقعاً ملموساً، ينعم به ما يزيد على 200 جنسية بالإمارات.

أسلوب الكتاب

الكتاب يجمع بين الأسلوب السردي والتحليلي لمجموعة أحداث شكلت محاور انتقالية بمسيرة الإمارات الحضارية والاقتصادية، والرؤية التي انتهجها سموه، فيمنح القارئ تارة كتاب السيرة الذاتية لصحفي يسرد بعض المواقف والأحداث التي جمعته بسموه، ويمنح القارئ تارة أخرى كتاب السيرة الغيرية بذكره ووصفه لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد.

أخبار ذات صلة

«إصدارات أدبية تسجل تاريخ الوطن» ندوة بالأرشيف والمكتبة الوطنية
«دبي للثقافة» تدشن «التبدّل والتحوّل» في مكتبة الصفا

فئة «التحدي»

إلا أن الكاتب اختار أن يصنف الكتاب ضمن خانة كتب «التحدي»، وخاصةً أن الكتاب، الذي يحاول قراءة محمد بن راشد كفيلسوف، حوّل الخيال إلى واقع، سواء اقتصادياً أو اجتماعياً أو إدارياً وقيادياً، يمنح لقرائه جرعة أمل وإيجابية ويعزز روح التحدي لديهم، بأن الحلم يمكن أن يتحقق، بالسعي والإصرار. كما برز ملمح التحدي الذي يعنيه برقاوي خلال عدة فصول وصفحات بالكتاب، كحديثه عن قصة تأسيس طيران الإمارات، التي باتت إحدى أهم شركات الطيران على مستوى العالم.

عنوان الكتاب

ولعل العنوان الذي اختاره برقاوي يعكس الفئة التي ينتمي إليها الكتاب، فئة التحدي، فالعنوان «من يجرؤ على الحلم – كيف حوّل محمد بن راشد حلمه إلى حقيقة» مكون من سؤالين متتابعين، الأول يحمل التحدي بأمر قد يكون بسيطاً في عيون الكثيرين، وهو الحلم، أكثر فعل اعتيادي لأي إنسان أن يغفو ويحلم، أو يتمنى حدوث شيء ما كالحلم الذي يتحقق. أما الجزء الثاني من العنوان فيحمل إجابة لسؤال من يحمل الجرأة على الحلم؟، بكيفية تحويل سموه للحلم برؤية دبي إحدى أهم مدن العالم إلى حقيقة.فصول الكتاب

وينقسم الكتاب إلى مقدمة بعنوان «كأن الريح تحته» و3 فصول: «السر في الدهشة» و«رجل قدره الريادة» و«حديقة الخيال» وخاتمة تحت عنوان «وما الدهر إلا رُواة أحلامنا»، حيث يتجول برقاوي في الزمن الإماراتي المختلف في معناه ومبناه؛ فيرحل إلى الماضي ليتتبع كتابات وذكريات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد عن طفولته وشبابه ليحلل العوامل التي أسهمت في تكوين شخصيته، ثم ينتقل إلى الحاضر ليختبر دور هذه العوامل في إنجازات دبي، الإنجازات التي جعلت منها «دانة الدنيا»، ويحاول أيضاً أن يستشرف المستقبل الذي يقول عنه برقاوي: «لا أعرف عندما أستيقظ ما الذي سيحققه هذا الوطن!».

اللقاء الأول

فيه يروي برقاوي مجموعة من اللقاءات التي جمعته بسموه على مدى فعاليات وأنشطة اقتصادية ومحلية عديدة، بدءاً من الثامن من نوفمبر عام 1999، عندما تلقى اتصالاً هاتفياً يدعوه إلى حفل غداء بمجلس محمد بن راشد في قصر زعبيل، حيث كان صحفياً متخصصاً بالشأن الاقتصادي، يبلغ من العمر 37 عاماً، ورئيس قسم الاقتصاد بجريدة الخليج، معبراً عن هذا اللقاء بمشاعر الفرح والاستعداد قائلاً في كتابه: «أن أُدعى إلى غداء في قصر ولي العهد آنذاك، فلذلك مغزى ودلالة على رؤية قيادة الإمارات للشباب أولاً، ولمن يبرز منهم بصفة خاصة، كل هذه الأفكار تدور في ذهني، فضلاً عن تجهيز نفسي للإجابة عن أي سؤال قد يطرحه عليّ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، في ما يتعلق بالصحافة».

اقتباسات

ويتضمن الكتاب مجموعة من اقتباسات اقتبسها برقاوي من كتب سموه التي تعكس الكثير عن شخصيته ونشأته، التي ساهمت كثيراً بالإنجازات التي نراها اليوم، ففي الفصل الثاني على سبيل المثال، كتب برقاوي: «في كل كتابات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، وأفعاله وحتى تغريداته، قبس من روح المعلم، بل إن القارئ لكتبه سيلحظ ذلك الهم التربوي الذي يهيمن عليها، هو لا يكتب ليتحدث عن نفسه، أو يعبر عن رأيه وحسب، ولكنه ينقل إلينا خبرات تعليمية لا حدود لدلالتها. في (رؤيتي) هناك ذلك الحرص الذي يمكن قراءته بين ثنايا السطور، على أن تستفيد كل القيادات والإدارات العربية من تجربة دبي. وفي (قصتي) لمحات إنسانية تفيض بأحداث ومواقف مؤثرة تكسبنا الأمل وتفتح لنا طاقة نور فالتغيير ليس بمستحيل، والتطور على مرمى البصر واليد».

عشق للفضول

ومن جهة أخرى، يعلق برقاوي على فضوله في استكشافه لشخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، فكتب: «كثيراً ما سألت نفسي، وأنا أقرأ لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، أو أستمع إليه، أو حتى في أثناء لقاءاتي الكثيرة به، عن ذلك السر الذي يميز هذا القائد؛ تناولت في الفصل الأول قدرته على الإدهاش، إدهاش العالم وإدهاش من حوله، وتساءلت أكثر من مرة: ما الذي يريده على وجه الدقة؟ وهنا بدأت بعشقه للفضول، ولكني كلما اقتربت منه أكثر، عبر الكتابة، أدركت أنني لا أكتشف أبعاد هذه الشخصية الثرية وحسب، ولكنني أكتشف نفسي والعالم من حولي».

توحيد القلوب

ويعبر برقاوي في كتابه عن علاقته بالإمارات ومدى ارتباطه عاطفياً بهذه الأرض، فكتب: «أشعر في الإمارات بأننا نتكلم بلغة الحب، ونتنفس هواء الحب، تآلف لافت بين المكان ومكوناته والإنسان».

ولعل التعبير عن المشاعر هذا من الخصال المكتسبة من تأثر برقاوي بشخصية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، حيث كتب بفقرة أخرى: «الخيال لا يكتمل إلا بالحب، والحلم هو المبتدأ والحب خبره، والنجاح نتيجة حتمية لتلك المعادلة؛ يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد: (نصيحتي لأي قائد إن كان يقود دولة، أو شركة، أو فريق عمل، أو غيره: لا بدّ من توحيد القلوب قبل توحيد الجهود، ولا بد من روح تسري في المكان قبل بدء البنيان)».

لغز الفريق

وفي سياق متصل بالحديث عن القيادة وروح الفريق، كتب برقاوي عن خطة سموه الطموحة في بناء فرق عمل تستطيع القيام بمهامها وفق أعلى درجات الاحترافية، حيث كان يعقد اجتماعات دورية مكثفة مع العشرات والمئات من موظفي الصف الثاني والثالث في حكومة دبي، لافتاً إلى فشل معظم بيئات العمل في الثقافة العربية التي تتسم بـ«الشللية» و«جماعات المصالح» و«الولاءات الشخصية».

إلا أن برقاوي استوحى من سياسة سموه في تشكيل فرق العمل القائمة على الشفافية والوضوح والعصف الذهني باتخاذ القرارات، فكتب: «تتطلب فرق العمل تلك، اكتشاف قادة في الإدارات المختلفة، يتناغمون مع فرقهم، ويتحلون بكل ما للقادة من سمات، مثل: تحمل المسؤولية، والتطلعات الكبيرة والمرونة والصدق والشجاعة والتفاؤل وإتاحة الفرصة للآخرين، والإيمان بالإبداع والابتكار والقدرة على التقاط الأحلام؛ فعندما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في كتاب «قصتي» إن إعداد القادة أحد بنود الدستور غير المكتوب، لم يعنِ القادة السياسيين وحسب، ولكن القيادة مفهوم حياتي وإداري أيضاً، ولا نجاح من دون ذلك التناغم بين القائد وفريق عمله في مختلف الدوائر الحكومية.

جرعة أمل

ويعكس رائد برقاوي تجربة القائد الحالم المفكر والشاعر والفارس محمد بن راشد، الفيلسوف الذي لا يحلل ولا ينتقد، ولا يضع الحواجز، هكذا تكون جرعة الأمل والتحدي معاً، فقال الكاتب بخاتمة الكتاب: «لقد بات من الصعب توقع ما سنشاهده في الإمارات من إنجاز في اللحظة التالية، والأصعب قراءة أحلام وآمال قائد بوزن محمد بن راشد، جعل العرب جميعاً يرددون بيت المتنبي الذي طال شوقهم إليه ويعبّر عن عودتهم مرة أخرى إلى ركب الحضارة: وما الدهر إلا من رُواة قصائدي... إذا قلت شعراً أصبح الدهر مُنشداً، لقد آن للدهر أن ينشد أحلام الإمارات.

كتاب توثيقي

يحمل الكتاب، الصادر عن موتيفيت ميديا جروب، في صفحاته، التي يبلغ عددها 184 صفحة، جوانب توثق تاريخ دبي وأبرز محطات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد على مدى العقود الثلاثة التي عاشها الكاتب على أرض الإمارات، التي اعتبرها وطنه الأول وليس وطنه الثاني، كما يعبر الكثير من المقيمين بالإمارات.

ويقدم الكتاب لقرائه لمحة عن القيم والمبادئ القيادية بعين الإعلامي والصحفي رائد برقاوي، على مدى لقاءات عدة، ما يجعل الكتاب بمثابة مرجع موثق لكل من رغب بالتعرف شخصياً على فكر وفلسفة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد القيادية.