ساهم البترول منذ أول اكتشافاته في منتصف القرن التاسع عشر في تغييرات كبرى شهدتها الحياة على كوكب الأرض، فالتحول إلى الآلة بهذا الحجم المذهل الذي نشهده اليوم لم يكن ليتم لولا السائل الأسود. وسائل المواصلات السريعة وآلات التصنيع العملاقة ومولدات الكهرباء الضخمة تعتمد عليه في تشغيلها، وللوصول إلى البترول علينا الحفر في بواطن الأرض لاستخراجه ثم تكريره ليتحول إلى مشتقات يمكن الاستفادة منها.
البترول تكون بشكل طبيعي تحت سطح الأرض نتيجة تحلل بقايا الكائنات الحية من النباتات والحيوانات، والتي تحولت على مدى ملايين السنين نتيجة الحرارة والضغط الجيولوجي إلى نفط وغاز، لكن يبقى البترول ثروة ناضبة، فمع كل عملية استخراج نقوم بها تتناقص مخزوناته، وإذا أردنا تعويض الكميات المستهلكة فنحن بحاجة لملايين السنين للقيام بذلك.
في بداية الأمر ومع فورة الاقتصاد العالمي وسطوته تم تجاهل الأصوات المحذرة من ارتفاع نسبة الكربون وخطورته على البيئة، إلا أن قضايا التغير المناخي وتأثيراتها الماثلة للعيان في السنوات الأخيرة سلّطت الضوء مجدداً على ما يدور في غلافنا الجوي، فغاز ثاني أكسيد الكربون هو المتهم الأول لتصاعد درجة حرارة الكوكب وذوبان القمم الجليدية وارتفاع مناسيب مياه المحيطات لكن ومع كل ذلك ما زالت تلك الانبعاثات في تزايد والتي يقدر حجمها السنوي بـ40 غيغا طن من الكربون تلوث أجوائنا.
إن دخول دول جديدة للنادي الصناعي العالمي كالصين وغيرها من الكيانات الاقتصادية الناشئة ضاعف الطلب على مصادر النفط والغاز الطبيعي، وساهم في تردي الوضع المناخي أكثر، ما أجبر دول العالم والمنظمات الدولية على التحرك السريع والسعي لدرء هذا الخطر الماثل، فكان اتفاق باريس للمناخ في عام 2015 ملزماً الدول الموقعة على الحد من الانبعاثات الكربونية والتحول إلى الحلول المستدامة لإنتاج الطاقة.
الحياد الكربوني والمنتظر تحقيقه في عام 2050 سيخفض الطلب وبشكل كبير على البترول والغاز الطبيعي. ما يمنح الدول المنتجة بعض الوقت لتقليل اعتمادها على المداخيل النفطية والاستثمار أكثر في مصادر الطاقة الخضراء البديلة، لذا ليس من الضروري انتهاء عصر البترول بجفاف مصادره، بل ربما يتوفر الكثير منه، فالعصر الحجري لم ينتهِ باختفاء الحجارة، إنما انتهى بتغيير السلوك الإنساني وضروريات حركة التاريخ.