تتصاعد الأزمة الأوكرانية الروسية يوماً بعد يوم وسط حالة من الجدل حول موقف ألمانيا منها، فبينما تتحدث بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية ودول البلطيق عن دعمهم وإرسالهم إمدادات عسكرية لأوكرانيا، تقف ألمانيا في طريق آخر رافضاً تسليم أسلحة إلى كييف، مكتفية بتسليم أوكرانيا مستشفى ميدانياً.
وتشتعل الأجواء أكثر بمزيد من التصريحات وآخرها اتهام وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، ألمانيا بما أسماه «تشجيع» الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على غزو بلاده.
واستدعت الخارجية الأوكرانية السفيرة الألمانية في كييف، أنكا فيلدهوزن، بعد تصريحات قائد البحرية الألمانية، كاي آخيم شونباخ، في مؤتمر بأن شبه جزيرة القرم في أيدي الروس، وأنها لن تعود أبداً إلى أوكرانيا، وأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يستحق الاحترام، ما اضطره بعدها لتقديم استقالته.
وتطرقت صحيفة «دي فيلت» لطريقة الحكومة الألمانية الجديدة في التعاطي مع هذه الأزمة الضخمة بأنه بينما تحاول الولايات المتحدة تشكيل جبهة ضد التخويف الروسي، فإن برلين تنحرف عن الخط الغربي. وأنه في السنوات العشر الماضية، ساد الرأي في السياسة الألمانية بأن الجمهورية الفيدرالية لم تعد قادرة على الاعتماد الكامل على الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بالأمن، لأن أمريكا تتجه نحو آسيا.
وأكد تقرير «دي فيلت» أنه رغم ذلك، تظهر الأزمة في أوكرانيا أن هذا الاختلاف متبادل، فقد كان حلفاء ألمانيا يأملون في أن يتراجع الائتلاف الحاكم بزعامة المستشار أولاف شولتس، الذي يضم حزب الخضر الناقد لروسيا، عن سياسات موسكو الحذرة في عهد المستشارة أنغيلا ميركل. لكن الأيام الماضية أظهرت أن هذا التفاؤل سابق لأوانه.
وحذر تقرير لصحيفة «فرانكفورتر الغماينه تسايتونغ» من أن تصريحات قائد البحرية الألمانية تزيد الطين بِلة، وتصعد من انعدام الثقة بين العديد من الحلفاء ومواصلة إثارة الشكوك حول برلين.
وأكد التقرير أن حقيقة منع الحكومة الألمانية لشحنات الأسلحة من إستونيا إلى أوكرانيا سوف يغذي عدم الثقة القديم السائد حالياً في أوروبا الشرقية بشأن سياسة برلين تجاه روسيا.
وتناولت الصحيفة تحذيرات رئيس وزراء ولاية بايرن الألمانية، ماركوس زودر، من أن ما يقترحه بعض الأشخاص في الحكومة الفيدرالية بإمكانية شن عقوبات ضد خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2، إذا صعدت روسيا الصراع مع أوكرانيا، يشكل خطراً على ألمانيا، وأنها تؤذي نفسها بذلك وتضر الصناعة في ولايته بشدة.
وصرحت وزيرة الدفاع الألمانية، كريستين لامبرشت، في وقت سابق، بأن بلادها قدمت من قبل أجهزة تنفس اصطناعي لأوكرانيا، وأنها تعالج جنوداً أوكرانيين مصابين بجروح خطيرة في مستشفيات الجيش الألماني. وأشارت إلى أن تسليم أوكرانيا أسلحة لن يجدي في الوقت الراهن.
وأكدت صحيفة «زود دويتشه تسايتونغ» أنه على ألمانيا اتخاذ موقف حاسم لأن الصراع بين روسيا وأوكرانيا يمكن أن يصل أيضاً إلى غرف المعيشة بالبيوت الألمانية. وأنه إذا تصاعد الصراع على شرق أوكرانيا، فقد يكون في ألمانيا شتاء مكلف، لأن صهاريج تخزين الغاز أقل امتلاء من أي وقت مضى في هذا الوقت بالبلاد.
وتحدث التقرير عن أن الصراع قد يقطع إمدادات الغاز الألمانية عن الشرق، حيث يأتي نحو 40% من الغاز في ألمانيا من روسيا.
من جهته أكد المحاضر في جامعة كولونيا، الخبير في السياسة الألمانية، لؤي المدهون، في تصريحات خاصة أن الموقف الألماني من القضية الأوكرانية غير واضح المعالم ويبدو عليه التناقض. وأنه رغم قوة العلاقات الأمريكية الألمانية، فإن برلين ترتبط بعلاقات اقتصادية تاريخية مع موسكو، خاصة كون روسيا المزود الأول للطاقة في السوق الألمانية، وأن الاقتصاد الألماني يرفض العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا منذ احتلالها لشبه جزيرة القرم.
وقال المدهون «لا شك أن غياب المستشارة ميركل يُعقِّد صياغة سياسة ألمانية واضحة، والعقبة الكبرى تكمن في تباين رؤى الأحزاب السياسية التي تشكل التحالف الحكومي الحالي».
وأشار إلى أن الحزب الاشتراكي يتبنى نهجاً متفهماً أكثر لسياسة بوتين ومخاوف روسيا من حصار حلف شمال الأطلسي لحدودها، بينما تتبنى وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك، التابعة لحزب الخضر، سياسة أكثر حسما تجاه موسكو فيما يتعلق بملفات حقوق الإنسان والحريات العامة.
ونوه إلى أن الحزب الليبرالي من ناحيته لم يحسم أمره بعد في ظل خلافات بين أقطابه حول أولويات المصلحة العامة والولاء للقيم «الأطلسية»، مؤكداً أنه نتيجة لذلك يحاول التحالف الحكومي الحالي أن يمسك العصا من الوسط، أي ما يسمى بـ«تربيع الدائرة».
وأضاف أنه حالياً تحاول الولايات المتحدة التأثير على المستشار الألماني أولاف شولتس، ودفعه إلى تبني موقف حازم تجاه بوتين، ولذلك زار مدير الاستخبارات الأمريكية شولتس؛ بهدف إعلامه بخطورة الغزو الروسي لأوكرانيا.
وقال المدهون «واقعياً ستظل الحكومة الألمانية مترددة، والدليل على ذلك رفضها إرسال أسلحة فتاكة إلى الجيش الأوكراني من أجل الدفاع عن البلاد وتكتفي بإرسال مواد طبية».