ما الصعوبات والتحديات التي تواجه «الحكمات» في مباريات الرجال؟
لحظات تاريخية سُجلت في عالم كرة القدم خلال الأعوام القليلة الماضية، حيث ظهرت تغيرات كبيرة تسببت بسير اللعبة الأكثر شعبية حول العالم على ركب بقية الرياضات.
لمسة جديدة ونوعية جاءت على الصعيد التحكيمي بدأتها الاتحادات المحلية والوطنية بإسناد المهمة للمرأة من أجل تحكيم وإدارة مباريات كرة القدم للرجال في كبرى البطولات مثل دوري أبطال أوروبا والدوريات الأوروبية الكبرى.
في 11 سبتمبر 2017 أصبحت الألمانية بيبيانا شتاينهاوس أول مرأة تدير مباراة في الدوري الألماني «البوندسليغا» خلال المباراة التي جمعت هيرتا برلين وفيردر بريمن، وفي عام 2019 قامت الفرنسية ستيفاني فرابار بإدارة كأس السوبر الأوروبي بين ليفربول وتشيلسي لتكون صاحبة أول تجربة من هذا النوع في البطولات الأوروبية.
وكرر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم «يويفا» في يناير من العام الماضي الأمر ذاته وهذه المرة في دوري أبطال أوروبا بعدما أسند مهمة إدارة مباراة يوفنتوس ودينامو كييف للحكمة ستيفاني فرابار، قبل أن تقوم الكرواتية إيفانا مارتينسيتش بتحكيم مباراة ألمانيا وليشتنشتاين في تصفيات كأس العالم 2022 في نوفمبر الماضي.
وامتد اختيار التحكيم النسائي لمباريات الرجال في كرة القدم إلى قارة أفريقيا في العام الحالي، بعدما أصبحت الحكم الرواندية سليمة موكانسانغا أول مرأة تدير مباراة للرجال في تاريخ كأس أمم أفريقيا 2021 الجارية في الكاميرون، وكان برفقتها حكمتان مغربيتان وهما فتيحة الجرمومي وبشرى كربوبي بجانب الكاميرونية كارين أتيمزابونغ في نفس الطاقم.
وشهدت الفترة الماضية تواجد حكمات في مباريات الرجال على صعيد الدوريات العربية، وهذا ما حدث مع التونسية درصاف القنواطي خلال مباراة الترجي الرياضي والنادي البنزرتي في الدوري التونسي، والأردنية إسراء مبيضين في مباراة سحاب والبقعة في الدوري الأردني، وغيرها من الحالات في عدة دوريات عربية.
اقرأ أيضاً: 4 عناصر تؤهل الحكمات لقيادة مباريات في المحترفين
"قاضيات الملاعب" في مباريات الرجال.. فكرة قديمة وبصمة رسمية حديثة
وولدت فكرة تولي المرأة لإدارة مباريات الرجال في القرن الـ20، إلا أن حصولها على مهمة إدارة مباريات كبيرة في كرة القدم بدأ في الأعوام القليلة الماضية.
وقامت بيترا تابارييلي -التي درست التاريخ- بأرشفة وتأريخ العديد من القصص والحكايات المتعلقة بكرة القدم، وظهر شغفها باللعبة منذ طفولتها، وساهمت أيضاً بتطوير قواعد كرة القدم، وعلى المستوى التحكيمي خصوصاً، إلى جانب تواجدها عضواً لبودكاست FRÜF - women talk about football الذي فاز بجائزة "Golden Blogger" لأفضل مدونة رياضية لعام 2019.
ووفقاً لما كشفته تابارييلي فإن النمساوية إديث كلينغر هي أول مرأة تدير مباريات للرجال والنساء، وكانت تُحكم المباريات بين عامي 1935 و1938، وهذا عكس ما وثقه الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» والذي أكد بأن التركية دراشان أردا هي أول حكمة في تاريخ كرة القدم، والتي بدأت العمل في هذا المجال عام 1968، إلا أنه لم يذكر توليها مسؤولية تحكيم لأي مباراة للرجال.
وكانت كلينغر حالة فردية لتولي المرأة تحكيم مباريات الرجال في تلك الحقبة، قبل أن تظهر الإنجليزية ويندي تومز في كتب التاريخ في الأعوام الأولى من تسعينيات القرن الماضي.
وفي عام 1991 كانت تومز حكماً رابعاً في مباراة بورنموث وريدينغ في دوري الدرجة الثالثة الإنجليزي آنذاك، لتصبح أول مرأة تقوم بهذا الدور في تاريخ الدوريات، ومن ثم باتت حكماً مساعداً لأول مرة في تاريخ الدوري الإنجليزي الممتاز خلال مباراة ليدز يونايتد وكوفنتري سيتي عام 1999.
ولم يكن الاعتماد على المرأة كحكم في مباريات كرة القدم التي يلعبها الرجال إلا في حالات نادرة، قبل أن تنتشر بشكلٍ أوسع وأكثر رسمية في الأعوام الأخيرة.
اقرأ أيضاً: ويلش أول امرأة تتولى تحكيم مباراة في الدوري الإنجليزي
مؤهلات تمنح «الحكمة» القدرة على قيادة مباريات الرجال
ولا تعتبر كرة القدم الرياضة الوحيدة التي كانت شاهدة على قيام امرأة بقيادة مباريات الرجال، وقد سبقتها الكثير من الرياضات مثل كرة السلة وغيرها، وهنالك الكثير من الأمثلة على ذلك، ومن بينها قائمة تضم حكمات عربيات، مثل المصرية آية خالد والتونسية عبير العريبي في كرة السلة.
وتولت آية خالد تحكيم مباريات في كأس أفريقيا وكأس العالم للأندية وكأس العالم تحت 19 عاماً للرجال، أما عبير العريبي فحكمت في الدوريين التونسي والمصري وغيرها من المسابقات الأولمبية للرجال.
وعما تواجهه الحكمات أثناء إدارة مباريات الرجال كشفت الحكمة خالد لـ«الرؤية» من وحي تجربتها الشخصية عن أبرز ما تحتاجه الحكمة لتكون قادرة خوض التجربة بنجاح.
وقالت خالد «على الحكمة أن تكون مؤهلة جسمانياً وأن تضاهي الرجل بالقدرة على الجري، وامتلاكها ثقة كبيرة بالنفس، وأن تكون قارئة جيدة للقانون، وذات قدرة على الثبات عند الانفعال بسبب تعاملها مع الرجل، بالإضافة لحزمها وتواضعها وذكائها في آنٍ واحد مع إلمامها بأفضل مهارات التواصل».
اقرأ أيضاً: حكمتان مغربيتان تصنعان التاريخ بكأس أمم أفريقيا
الحكمة مرفوضة أمام اللاعبين الرجال
تؤكد خالد أنها واجهت العديد من الحالات التي كان فيها اللاعب رافضاً وجود امرأة تُحكم مباريات للرجال لأسباب مختلفة تختص بالتفاصيل الجسدية.
وتوضح عبير العربي لـ«الرؤية» أن المشاكل التي تواجه الحكمة خلال مباريات الرجال تتمثل بالتركيز على البحث عن أخطاء الحكمة وزلاتها أكثر من الحكام الرجال، لكنها ترى أن الخطأ التحكيمي يجب ألّا يُبنى على أساس رجل وامرأة بل على أساس حكم فقط.
واتفقت الحكمتان على وجود مشكلة خاصة للحكمات في المنطقة العربية وتتعلق بطبيعة الكثير من أفراد المجتمع غير المتقبلين لحصول الأنثى على مثل هذا الدور.
«التحكيم النسائي».. نظرة إيجابية للتواجد في مباريات الرجال
وهنالك العديد من الإيجابيات التي أضافها وجود الحكمات في مباريات الرجال برأي العريبي مثل تقبل عدد من اللاعبين والمدربين والمسؤولين وجودهن في مباريات الرجال، بجانب نقل التحكيم النسائي إلى مستوى أفضل في ظل تفوق الكرة الرجالية من ناحية الحضور والاهتمام.
وفي ذات السياق ألقى الصحفي في موقع «ملاعب» الأردني والمهتم بالرياضة النسوية في الأردن، أنس عشا، الضوء على الإيجابيات التي تركها منح الحكمات مسؤولية قيادة مباريات الرجال.
وقال عشا لـ«الرؤية» إن قيادة المرأة لمباريات الرجال يعزز العدالة بين الجنسين، ويؤدي لتقبل وجود الأنثى في مكان يمنحها اتخاذ القرار، معتبراً أن ذلك يصنف كتحدٍ لهن وليس جانباً سلبياً.
ويعتقد عشا أن فكرة فصل المرأة عن الرجل في الأساس يعود للفوارق الجسمانية، لكن الحكمة لا تواجه مشكلة بهذا الأمر لأن العنصر النسائي في التحكيم موجود في الرياضات الأخرى.