تخطط المملكة العربية السعودية إلى مضاعفة مساهمة القطاعات الإبداعية في الناتج المحلي الإجمالي لقطاع الثقافة في الاقتصاد السعودي بمقدار 5 أضعاف، وتوفير مئات الآلاف من فرص العمل، وذلك من خلال طرح العديد من المبادرات والبرامج والمشروعات الثقافية والفنية التي تزيد على 27 مبادرة، تستهدف دعم هذه الصناعة الواعدة التي تحظى بمكانة كبيرة في رؤية 2030.
وتعمل وزارة الثقافة السعودية على توفير نظام بيئي إبداعي متكامل وفق الاستراتيجية الثقافية الوطنية التي تم اعتمادها عام 2019، في إطار مشروع وطني للنهوض بالقطاع الثقافي السعودي بمختلف قوالبه الإبداعية، حيث أنشأت الوزارة أكثر من 25 مؤسسة ثقافية في المملكة، بما فيها 11 هيئة ثقافية مسؤولة عن تطوير القطاعات الثقافية الفرعية، والإشراف على أكثر من 65 منظمة غير ربحية.
صندوق التنمية الثقافية
ويمثل صندوق التنمية الثقافية منصة ستساهم في تعزيز النشاط الثقافي في المملكة، حيث أطلقت الوزارة عديد المشروعات ومنها: إقامة أول مهرجان سينمائي دولي سعودي كبير هو مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي بجدة أخيراً، وبينالي الفن المعاصر في الدرعية، وبرنامج الابتعاث الثقافي الذي يعد الأول من نوعه في المملكة ويهدف إلى سد الاحتياج الذي يتطلّبه سوق العمل للكوادر والمواهب الوطنية المؤهلة في التخصصات الفنية والثقافية.
وتشير التوقعات إلى أن الاقتصاد الإبداعي في المملكة سيساهم بنسبة 27% في فتح مجالات استثمارية لأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وخفض البطالة بنسبة 29%، وإنشاء قنوات استثمارية دولية جديدة بنسبة 35%، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة مستوى دخل الفرد بنسبة 24%.
ومن أبرز مبادرات الاقتصاد الإبداعي؛ مشروع مدينة القدية الترفيهية، وإنشاء أكبر متحف أثري حي بالعالم في العُلا.
اقرأ أيضاً:
الاقتصاد الإبداعي.. صناعات تتحدى التغيرات وألاعيب المنافسة والأزمات
30 مليار درهم استثمارات لتأسيس صناعات ثقافية وإبداعية في أبوظبي
10 وسائل لتحفيز الاقتصاد الإبداعي
رؤية مصر 2030
وفي مصر، أصبح للصناعات الثقافية والإبداعية دورٌ مهمٌ في الاقتصاد، حيث تُسهم بنحو مليار وربع المليار دولار من إجمالي الصادرات المصرية، وفقاً لتقرير UNCTAD الصادر عام 2018.
كذلك أولت استراتيجية التنمية المستدامة (رؤية مصر ٢٠٣٠) اهتماماً واضحاً بالصناعات الثقافية، فقد نص الهدف الأول في محور الثقافة على: دعم الصناعات الثقافية كمصدر قوة للاقتصاد، فيما يُعرف بالاقتصاد الإبداعي، أو الاقتصاد البرتقالي.
كما طرحت مصر مشروع دراسة تطوير منطقة باب العزب بمنطقة القلعة، بهدف خلق بيئة محفزة لرواد الأعمال والمبدعين المصريين والأجانب، تمكنهم من تطوير منتجاتهم وعلاماتهم التجارية للمُنافسة في الأسواق العالمية، وبلغت التكلفة المبدئية لتطوير المنطقة 2 مليار جنيه بحسب ما أعلنت هالة السعيد وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية.
مستقبل باهر
من جانبهم أكد فنانون وتنفيذيون في قطاع الصناعات الإبداعية في المملكة العربية السعودية ومصر، أن هناك اهتماماً كبيراً من قبل الدولتين بدعم الصناعات الإبداعية، مشيرين إلى أن المرونة العالية أكثر ما يميز الاقتصاد الإبداعي، وكذلك قدرته على مواجهة التقلبات الاقتصادية، وتوفير نمو مستدام يمتد لسنوات قادمة.
في البداية، أكدت رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للفنون التشكيلية (جسفت) د. منال الرويشد، أن الجمعية تعمل على رفد صناعة الإبداع عبر تقديم مبادرات لدعم الشباب الموهوب فنياً، وتوفير فرص استثمارية لهم؛ من أجل تنشئة جيل جديد يقود الحركة التشكيلية السعودية.
ولفتت الرويشد إلى أن المملكة اهتمت في مرحلة مبكرة بالاقتصاد الإبداعي، عبر عدة مرتكزات من أهمها إطلاق العديد من المنتجات الثقافية والإبداعية، والتي لم تقتصر على المنتجات أو الأنشطة ذات الطابع الثقافي فقط، وإنما امتدت لتشمل الصناعات الإبداعية الأخرى ذات الطابع التجاري والاقتصادي.
وتتابع: كذلك تبنت المملكة سياسة المدن المتخصصة ذات المزايا التنظيمية والتشريعية والاستثمارية، وأقرب مثال لذلك هو مشروع مدينة القدية الذي تم إطلاقه عام 2017 ليمثل نقلة نوعية وكمية في مجال الرياضة والثقافة والترفيه والاقتصاد من خلال رؤية إبداعية.
ولفتت إلى أن المملكة رصدت الكثير من الاستثمارات المستقبلية لهذا القطاع، ومنها على سبيل المثال استثمار نحو 2 مليار دولار لتطوير قطاع السياحة الثقافية في إطار رؤية 2030.
مقومات متاحة
أكدت الفنانة والعازفة السعودية إيمان قستي، أن اهتمام المملكة بالقطاع الإبداعي سيساعد المبدعين الحقيقيين على إثبات وجودهم وإتاحة الفرص أمام الجيل القادم بالمشاركة في الفعاليات الفنية مستقبلاً، ما سيوفر فرص عمل أكبر في كافة مجالات الفنون.
ولفتت إلى أن أهم ما يميز الاقتصاد الإبداعي هو استدامته، لافتة إلى الاقتصاد العادي يعتمد على بعض المقومات المادية، مثل توافر المواد الخام والآبار النفطية وسواحل البحار والأيدي العاملة، وهو أمر يتفاوت من بلد لآخر، في حين يعتمد الاقتصاد الإبداعي على الإبداع والخيال، ولذلك هو متاح للجميع وبشكل متساوٍ للبشر وللدول، أياً كانت المقومات.
وذكرت الفنانة والعازفة إيمان قستي أن رؤية 2030 تولي قطاع الفنون أهمية خاصة، ولا سيما أنه اقتصاد سريع النمو والتحول في العديد من المجالات، كما أنه بمرونة عالية وقدرة على مواجهة التقلبات الاقتصادية، وتوفير نمو مستدام يمتد لسنوات مقبلة.
دعم سخي
في حين، يرى الشاعر د. صالح الشادي رئيس مجلس إدارة البيت الموسيقي للفنون في السعودية، أن حكومة المملكة تولي قطاع الإبداع أهمية كبيرة نتيجة دوره الكبير في رفد الحركة الاقتصادية، مستشهداً بالطفرة الاقتصادية الكبيرة التي أحدثها مواسم الرياض وغيره من المهرجانات الفنية التي وفرت الآلاف من فرص العمل ودعمت الاقتصاد المحلي بالكثير من الدولارات.
وأكد الفنان التشكيلي السعودي محمد العمري أن المملكة توفر العديد من التسهيلات لدعم الفنانين والمبدعين، مشيداً بالدعم السخي جداً من المؤسسات الحكومية والهيئات والجمعيات الفنية الخاصة، سواء على المستوى المادي أو المعنوي، لافتاً إلى أن هناك فنوناً كانت مهضومة الحق مثل الفن التشكيلي، لكن مع اهتمام الدولة بهذه الصناعات عاد له الألق من جديد.
وأشار إلى أن انتشار الغاليرهات كان من ثمار ازدهار الصناعات الثقافية في المملكة، حيث كان عدد صالات العرض في الرياض لا يتعدى أصابع اليد، في حين الآن وصل عددها إلى أكثر من 30 صالة.
غياب التشريع
يواجه الاقتصاد الإبداعي في مصر بحسب أحمد سعيد عزت عامر أستاذ الملكية الفكرية عدة عوائق، أهمها غياب التشريع المعني بالاقتصاد الإبداعي أو البرتقالي، لأن التشريعات المصرية غفلت عن إدراك أهمية دمج وتضفير الاقتصاد الثقافي (الاقتصاد البرتقالي) في التنمية المُستدامة، بالإضافة لتنازع اختصاص الجهات الإدارية تنازعاً سلبياً يؤدي إلى إهدار أهمية الاقتصاد البرتقالي، بمعنى أن كل جهة تترك الأمر للجهة الأخرى، وهو ما منع وضع أطر تشريعية صحيحة له.
أما التحدي الثاني الذي يواجه الاقتصاد الإبداعي في مصر بحسب أحمد سعيد، فهو ضعف دور منظمات المجتمع المدني باعتبارها حلقة الوصل فيما بين المُبدعين والجهات الحكومية.
ويستطرد: إضافة لما سبق لا بد أن تقوم الدولة بتنسيق العمل مع منظمات المجتمع المدني من أجل توفير البيئة الصالحة لتدريب الحرفيين، وتقديم الدعم الكافي لكبار الحرفيين لنقل حرفهم للشباب، فكل هذا سيؤدي لتوسيع مجال استمرار تلك الحرف ومنع انقراضها.
وتابع: الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية كإحدى منظمات المجتمع المدني نشرت صناعة التلي، وجهزت لها البيئة الصالحة لنقل هذه الحرفة من بعض السيدات إلى فتيات في عمر أصغر مع توفير الأدوات والخامات والمواد الخام لهؤلاء الفتيات، الأمر الذي أدى إلى ازدهار تلك الصناعة.
رؤية مصر 2030
يرى الدكتور محمد عبدالدايم أستاذ الاقتصاد والمدير التنفيذي للمبادرة الوطنية لتشغيل الشباب «كياني»، ومؤسس إحدى المبادرات الأولى من نوعها لدعم الشباب في مجال الصناعات الإبداعية، أن مصر تحتاج لوضع استراتيجية محددة لخدمة الاقتصاد الإبداعي، الذي يرى أنه مُتفرق بين جهات حكومية عدة.
ولفت إلى أن ضياع التخصص دعاه لإطلاق المبادرة والتعاون مع وزارة الثقافة في سبيل دعم الشباب، لتقديم سلعهم الإبداعية ووضع أسس لتطويرها، منوهاً بأن الموهبة هي الأساس ثم يأتي التسويق وتحويل الحرفة لاقتصاد وصناعة ثقافية، مشيراً إلى أن رؤية مصر 2030 تتحدث على أن الثقافة تُشارك في الناتج المحلي وتشكل قيمة مضافة للاقتصاد.
ويؤكد أستاذ الاقتصاد أن هناك 3 عناصر تخدم الاقتصاد الإبداعي في مصر هي: البحث العلمي ورؤوس الأموال والأهم جودة الإنتاج، وهم أهم عناصر نجاح الاقتصاد الإبداعي.
ويشرح: وجود مركز بحثي له علاقة بالاقتصاد الإبداعي والصناعات الإبداعية أصبح ضرورة مُلحة، وكذلك إنشاء معاهد بحثية تخدم المبدعين والمُبتكرين، لكن ولكي ندعم الصناعات الإبداعية المُختلفة لا بد من وجود رؤوس أموال، فالاقتصاد الإبداعي هو أهم مورد في مصر، رغم عدم وجود إحصاءات محددة له، لكن البعض يرى أنه قد يكون حجمه أكبر من الاقتصاد الرسمي.
نقص المعلومات
التحدي الأهم من وجهة نظر الدكتور محمد عبدالدايم الذي يواجه الاقتصاد الإبداعي في مصر هو نقص المعلومات، فنقص المعلومات يؤدي إلى عدم وجود التخطيط الجيد، وبالتالي لا يوجد تخطيط سليم دون وجود معلومات ودراسات كافية.
ويشرح: توافر معلومات مثلاً حول عدد التذاكر التي تبيعها السينما، أو عدد الكتب التي يتم بيعها خصوصاً مع وجود كتب يتم بيعها خارج السوق الرسمي بأسعار مخفضة وهي المعروفة بكتب «الرصيف»، وهو أمر يضر بصناعة النشر ويؤثر عليها وعلى الكتاب كسلعة ثقافية، ويؤثر على الكاتب والناشر وعلى النشر كله.
ولفت إلى أن واحدة من أكبر المعضلات التي تقف أمام الاقتصاد الإبداعي في مصر هي مشكلة الملكية الفكرية والتي تدمر هذه الصناعة، فالكتب المنسوخة تدمر صناعة النشر، والأفلام والدراما المقرصنة تقضي على عالم السينما والمسلسلات وهي كلها أمور تختص بمسألة حقوق الملكية الفكرية.