سلمى العالم

ظهر مصطلح الاقتصاد الإبداعي للمرة الأولى قبل 20 عاماً من أجل وصف مجموعة من الأنشطة، بعضها من أقدم الفنون في التاريخ، وبعضها ظهر فقط مع ظهور التكنولوجيا الرقمية، وفقاً لدراسات فنية ثقافية.

وقد كان للعديد من هذه الأنشطة جذور ثقافية قوية، وكان مصطلح «الصناعات الثقافية» أو صناعة الثقافة مستخدماً بالفعل لوصف الأنشطة المتعلقة بالمسرح والرقص والموسيقى والأفلام والفنون البصرية وقطاع التراث وغيرها.

وأشار المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن الاقتصاد الإبداعي يعمل على ما يبدو بشكل مستقل عن الأسواق الأخرى، واستمر في النمو بمعدل عالمي يبلغ 14% حتى خلال الانكماش الاقتصادي العالمي في عام 2008.

وفي عام 2019، وفي أثناء انعقاد الدورة الـ74 للجمعية العامة للأمم المتحدة، تم إعلان 2021 عاماً لـ«الاقتصاد الإبداعي» من أجل الوصول إلى التنمية المستدامة في العالم.

ويعتبر هذا الإعلان اعترافاً بأن «الاقتصاد الإبداعي» يأتي في مقدمة الحلول التي من المفترض أن يلجأ إليها العالم لمواجهة التحديات والصعوبات.

أخبار ذات صلة

جي ريتشي يخرج النسخة الواقعية من هيركيوليز
تدريس إدارة الأموال لتلاميذ الابتدائية في بريطانيا

عالم متغير

وتعمل العديد من الهيئات والمؤسسات الدولية الكبرى، مثل «اليونيسكو» و«برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» و«مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية» (الأونكتاد)، على دعم هذا النوع من الاقتصاد، إذ تمت صياغة مصطلح «الاقتصاد البرتقالي»، من أجل فهم أفضل لكيفية تداخل القطاعات المختلفة واستفادتها منه، في عالم رقمي متغير باستمرار.

و«الاقتصاد البرتقالي» مصطلح صاغه فيليبى بويتراجو ريستريبو وإيفان دوكي ماركيز، مؤلفا كتاب «الاقتصاد البرتقالي: فرصة لا حصر لها»، وقد تم إطلاق لفظ «برتقالي» على «الاقتصاد الإبداعي»، نظراً إلى أن اللون البرتقالي يُعد رمزاً للثقافة والإبداع والهوية عند المصريين القدماء.

كما عمل مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية على توضيح مفهوم الاقتصاد الإبداعي منذ عام ٢٠٠٤، وترسيخ رؤيته الاقتصادية التنموية من خلال برنامج يركز على تجارة السلع والخدمات التي تخدم قطاع الصناعات الابداعية.

ويقوم برنامج الاقتصاد الإبداعي التابع لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية بتوليد المعلومات الاقتصادية من خلال عدسة تجارية، لفهم الاتجاهات السابقة والتخطيط للمستقبل ولتعزيز الفهم القائم على البيانات للتجارة في السلع والخدمات الإبداعية والملكية الفكرية والأفكار والخيال.



اقرأ أيضاً:

10 وسائل لتحفيز الاقتصاد الإبداعي

«الاقتصاد البرتقالي» في السعودية ومصر.. خطط واعدة لنمو مستدام

37 مليار درهم إيرادات الاقتصاد الإبداعي بدبي

30 مليار درهم استثمارات لتأسيس صناعات ثقافية وإبداعية في أبوظبي

عناصر الفكر

وفي الإمارات اعتمدت وزارة الثقافة والشباب تعريفاً للصناعات الثقافية والإبداعية، على أنها «الصناعات التي تعتمد على عناصر الفكر، والابتكار والإنتاج، والتوزيع، والنشر والترويج للمنتجات والخدمات ذات الصلة بالتعبير الإبداعي وحفظ الإرث الثقافي، والتي يؤثر نموها وانتشارها إيجاباً على الأجندة الاقتصادية والاجتماعية للدولة.

ولفتت الوزارة إلى أنها مكونة من 6 قطاعات رئيسة، هي: التراث الطبيعي والثقافي، والكتب والصحافة، وفنون الأداء والاحتفالات، والإعلام المسموع والمرئي والتفاعلي، والفنون البصرية والحرف، وكذلك التصميم والخدمات الإبداعية». وتضم تلك القطاعات أكثر من 25 صناعة اقتصادية.

ويغطي مفهوم الاقتصاد الإبداعي مجالات واسعة ومتنوعة، تشمل صناعة النشر والكتب، والإعلام المرئي والمسموع والمطبوع، مروراً بالسينما، والموسيقى، والفيديو، إلى جانب المشغولات الفنّية، والثقافية، ومتاحف التراث الثقافي، والمواقع التاريخية، والأرشيف والأحداث الثقافية الكبرى، والمكتبات.

كذلك يشمل صناعة البرمجيات، وألعاب الفيديو، والتصميم بشتى أنواعه، سواء ما يتعلق منها بالأزياء أو بتصميم الألعاب، أو البرامج، أو تصميم المباني وغيرها، حيث تحتاج جميع تلك المجالات إلى الأفكار الإبداعية التي تختزنها عقول الموهوبين.

من جانبهم، أكد فنانون وعاملون بالمؤسسات الفنية والثقافية، لـ«الرؤية» أن هناك أسباباً عدة أدت إلى زيادة الاهتمام بمصطلح «الاقتصاد الإبداعي» اليوم أكثر من أي وقت مضي أهمها التغييرات التي فرضتها الجائحة بوجود طرق بديلة للفنون، والإيمان بقدرة الفنانين والمبدعين على التغيير، ووصول الإمارات لمرحلة من التطور والازدهار اعتبرت الفن على رأس الهرم، وللترويج عن السياحة الثقافية والفنية للبلاد.

وأشاروا إلى أن أهمية الفنون والثقافة ازدادت بعد الجائحة، وشكلت جزءاً مهماً من المنظومة الاقتصادية، فكانت المهرجانات والأنشطة الفنية والثقافية أولى وسائل الترحيب بعودة الحياة للشارع بعد سنة ونصف تقريباً من توقفها، فأصبح مصطلح «الاقتصاد الإبداعي» من أكثر القضايا المطروحة اليوم على طاولة الاقتصاد.



القلب النابض

حياة شمس الدين


يعتبر إكسبو 2020 دبي، مثالاً واقعياً يؤكد أهمية الاقتصاد الإبداعي، حيث تقدم 191 دولة عروضها الفنية وصناعاتها الحرفية والثقافية وأطباقها الشعبية خلال مشاركاتها في الحدث، فضلاً عن الأعمال الفنية والمنحوتات الموزعة في أرجاء الموقع.

ولا شك أن إكسبو دبي منح الاقتصاد الإبداعي دفعة قوية، خاصة بعد جائحة كورونا التي أثرت بشكل كبير على كافة القطاعات وبالطبع صناعة الإبداع ليست ببعيدة عنها لا سيما خلال المراحل الأولى قبل أن ينتشل العالم الافتراضي عالم الإبداع من الغرق في ظلمات الجائحة.

وأكدت نائب رئيس أول الفنون والثقافة في إكسبو 2020 دبي د. حياة شمس الدين، أن التبادل الثقافي الموجود في إكسبو يساهم في مد الجسور وفتح الفرص للتعاون في مجال الثقافة والفنون والتي بدورها تعزز الاقتصاد الإبداعي.

وتابعت: عندما يسافر أحد منا لبلد ما، يسافر بغاية أحد الأغراض التالية: إما تناول المأكولات الشعبية لهذه البلاد، الرغبة برؤية الطبيعة، ومشاهدة عروض فنية وسماع موسيقى، وشراء منتجات تقليدية، وكل تلك الأغراض هي عناصر ثقافية شدت السياح لزيارة هذه البلاد، وهو ما يعادل مساهمات الاقتصاد الإبداعي في كل من المسارح والمتاحف والعروض التي تعد جزءاً كبيراً من ميزانية دخل أي دولة.

وأشارت إلى أن إكسبو يعتبر مثالاً حياً على تطبيق مفاهيم الاقتصاد الإبداعي، كونه يحتوي على منصة التصميم الإماراتي، والمنحوتات الفنية التي ستبقى ضمن الصرح الحضري لموقع إكسبو حتى بعد انتهاء الحدث، إلى جانب الدول المشاركة والتي أحضرت عناصر الاقتصاد الإبداعي، حيث يمكننا هنا ملاحظة الثراء الموجود من كل دولة.

وقالت: لعب إكسبو الخطوة الأولى في دعم الاقتصاد الإبداعي، فلنتخيل موقع إكسبو بلا عروض ومأكولات وتصاميم وفنون، سيبدو وكأنه مجموعة أبنية بلا روح ولن يشد الجمهور للزيارة، لذلك الاقتصاد الإبداعي هو القلب النابض للأحداث والفعاليات، خاصةً وأنه مبني على أداء بشري إنساني بالدرجة الأولى.

وشددت نائب رئيس أول الفنون والثقافة في إكسبو 2020 دبي على أن إكسبو أثبت أهمية الفن والثقافة في إحياء شخصية أي دولة ثم اقتصادها الإبداعي.

رأس الهرم

خليل عبدالواحد

يرى الفنان خليل عبدالواحد، مدير إدارة الفنون التشكيلية لدى هيئة الثقافة والفنون في دبي، أن الإمارات عامة ودبي بصورة خاصة وفرت كل السبل الكفيلة بترسيخ دور الصناعات الإبداعية في الاقتصاد المحلي عبر تهيئة البيئة التشريعية والاستثمارية اللازمة لازدهار القطاع الإبداعي، وزيادة جاذبيتها للمبدعين والمستثمرين ورواد الأعمال، وكذلك للاستثمارات المحلية والإقليمية والعالمية.

ولفت إلى أن استراتيجية الإمارات في هذا القطاع توفر حزماً من المحفزات والحاضنات الإبداعية المتطورة، التي تواكب التطورات التكنولوجية السريعة، وتسخرها لإثراء القطاع الإبداعي، وقدرته على الحضور والمنافسة، كما أنها وفرت مناخاً مناسباً ومحفزاً للمبدعين لتوليد قيمة اقتصادية مضافة من خلال دمج الإبداع مع فرص الاستثمار الرأسمالي ذات العوائد المتميزة.

وأوضح عبدالواحد أن وصول الإمارات للاستقرار والتطور في خمسينيتها الأولى، وضع الفن على رأس هرم اهتمامات الدولة، معتبراً اهتمام أي دولة بالفنون والثقافة دلالة على حالة الاستقرار والازدهار التي تعيشها.

وأكد أن التطور واختلاف ثقافات الفنانين والمبدعين الذين يستعرضون أعمالهم الفنية، إلى جانب دعم المراكز الفنية والفعاليات الفنية للفن، يؤثر على الجانب الاقتصادي فيما يخص حركة الاستيراد والتصدير وخلافه.



أولوية كبيرة

ترى الفنانة التشكيلية الإماراتية مريم طاهر، أن الاقتصاد الإبداعي أو ما يسمى عالمياً بالاقتصاد البرتقالي، يأخذ أولوية كبيرة على قائمة اهتمامات القيادة الرشيدة، ليس في هذا المرحلة فقط التي تسعى فيها كافة الدول إلى التعافي من آثار الجائحة، بل في السنوات المقبلة، مؤكدة أن لهذا القطاع أهمية كبيرة تضاهي القطاعات الرئيسية الأخرى من حيث القيمة المضافة الإجمالية وعدد الشركات العاملة فيه.

ولفتت إلى أن الإمارات تمتلك بنية تحتية مبهرة ومتكاملة تؤهلها إلى أن تكون مركزاً عالمياً جاذباً للاستثمار في الصناعات الإبداعية، مشيرة إلى أن قطاع الفنون مساهم جيد في الترويج السياحي للدولة كذلك، حيث يستقطب الكثير من الفنانين لعرض أعمالهم الفنية بالدولة، الأمر الذي يساهم في تحريك الاقتصاد المحلي.

تغييرات الجائحة

كرم حور

يرى منسق التسويق والاتصال في «تشكيل» بدبي كرم حور، أنه ورغم أن مصطلح «الاقتصاد الإبداعي» متعارف عليه منذ زمن، إلا أن التطورات التي حصلت حول العالم جراء انتشار الجائحة فرضت علينا طرقاً بديلة وأساليب جديدة في العمل، ولهذا عاد هذا التعبير للاستخدام أكثر من السابق.

وأشار إلى أن الجائحة، ورغم سلبياتها، فتحت أعين الجميع على طرق وبدائل غير تقليدية لتحريك عجلة الاقتصاد، وأعطت الصناعات الإبداعية دوراً أكبر في تحريك عجلة الاقتصاد.

ولفت إلى أن القطاع الفني لم يتأثر بصورة كبيرة مثل غيره من القطاعات، الأمر الذي ساهم في انخراط الفنون والثقافة في الاقتصاد بصورة أكبر، مؤكداً أن دولة الإمارات تقدم نموذجاً في الاهتمام بالاقتصاد الإبداعي حتى إنها خصصت له استراتيجية بمليارات الدولارات، الأمر الذي سيكون له مردود كبير في دعم ونهضة الاقتصاد المحلي.

وأكد أن كثيراً من الدول المتقدمة تعوّل اليوم على صناعات مواطنيها الإبداعية، فالصناعات الإبداعية هي الوحيدة التي لا تنهار أمام أي تغيير أو اقتصاد منافس أو أزمة مالية، بل على العكس من ذلك، تتجلى أهميتها في صنع تاريخ المكان والحفاظ على هوية المجتمعات بكل مساراتها ووسائلها وأشكالها لأنها قائمة على الفكر الصناعي المستدام.

العمود الفقري

محمود الجوابرة

ذكر الرسام محمود الجوابرة، أن الاقتصاد الإبداعي يغطي طيفاً من الأنشطة الاقتصادية القائمة على المعرفة التي تشكل العمود الفقري للصناعات الثقافية والإبداعية والتي لها أثر في المنظومة الاقتصادية بشكل عام.

ولفت إلى أن الاقتصاد الإبداعي يغطي حقولاً متنوعة تشمل، صناعة النشر، الكتب، الإعلام المرئي والمسموع والمطبوع، مروراً بالسينما، والموسيقى، والفيديو، المشغولات الفنّية والثقافية، متاحف التراث الثقافي، المواقع التاريخية، الأرشيف، الأحداث الثقافية الكبرى، المكتبات، صناعة البرمجيات، وألعاب الفيديو، والتصميم بشتى أنواعه، سواء ما يتعلق منها بالأزياء، أو بتصميم الألعاب، أو البرامج، أو تصميم المباني وغيرها.

وأكد الجوابرة أن لدى الفنون القدرة على تغيير الواقع، مستشهداً ببيكاسو الذي يرى أنه غير مفهوم الحياة الاقتصادية والثقافية، منوهاً بأنه عندما بدأ الفنانون الانطباعيون في تأريخ لحظات زمنية بالنهار، كلحظة سقوط الضوء على الشجرة والأبنية، أصبحت الأعمال أكثر جمالاً، وانعكس ذلك على الحياة الاقتصادية، فبدأوا طباعة هذه الأعمال على ورق الجدران وأصبح الفن التجريدي منعكساً على الأبنية المعمارية وأشكالها الهندسية، معتبراً أن اهتمام الدول بالاقتصاد الإبداعي يأتي من إيمانها بقدرته على إحداث تغيير جذري ومجتمعي بالعالم.