تمر كازاخستان بأخطر مراحلها منذ استقلالها عن الاتحاد السوفييتي السابق 1991، مع تصاعد التظاهرات التي بدأت الأحد الماضي، في جنوب البلاد، وامتدت إلى الشمال والغرب، وقادت ليس فقط إلى إقالة الحكومة وعدد من قادة الأجهزة الأمنية بل إلى «التغيير الأكبر» في هيكل القيادة السياسية منذ استقلال كازاخستان، وهو إنهاء الدور السياسي للرئيس السابق نور سلطان نازارباييف، وهو الزعيم التاريخي الذي قاد البلاد منذ الاستقلال حتى عام 2019، وكان يوصف «بعميد الأمة» وأطلق اسمه على عاصمة البلاد الجديدة، وظل يحتل منصبه كسكرتير لمجلس الأمن حتى إقالته تحت وطأة الاحتجاجات من جانب الرئيس قاسم جوركاييف، وهو المنصب الذي كان من المفترض أن يحتفظ به نازارباييف مدى الحياة.
وتتزامن الأحداث في كازاخستان مع مرور 30 عاماً على سقوط الاتحاد السوفييتي السابق في 25 ديسمبر الماضي والخروج الأمريكي الكامل من أفغانستان في 31 أغسطس الماضي، والتنافس الحاد بين الولايات المتحدة وتحالفاتها القديمة والجديدة مع روسيا والصين، وفق ما جاء في الدليل المبدئي لاستراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي أعلنها البيت الأبيض مارس الماضي، واعتبر فيها روسيا والصين منافستين عالميتين للولايات المتحدة، لهذا اتهمت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا الولايات المتحدة بتأجيج الصراع في كازاخستان، وفق بيان للخارجية الروسية.
لماذا تشغل كازاخستان العالم؟
فور اندلاع الأحداث في كازاخستان انشغل الجميع في الشرق والغرب بما يحدث، هناك 4 أسباب رئيسية تفسر هذا الاهتمام هي، أن صادرات كازاخستان من النفط والغاز يمكن أن تتأثر سلباً بالأحداث، حيث وصل سعر برميل النفط الى نحو 82.5 دولار، خاصة أن تلك الأحداث تتزامن مع الارتفاع الفعلي لأسعار الغاز في أوروبا والتي وصلت لنحو 1130 دولاراً لكل ألف متر مكعب من الغاز.
ثانياً: خوف الصين وأوروبا ودول في الشرق الأوسط أن تتأثر سلاسل الامدادات الصينية لكل تلك المناطق، فالمعروف أن أقصر طريق لتوصيل البضائع الصينية إلي أوروبا يمر عبر كازاخستان، حيث أعلنت كازاخستان عن إنشاء مركز حدودي مع الصين يشكل جسراً بين شرق آسيا وجنوبها مع منطقة القوقاز وأوروبا، بحسب وزير الخارجية الكازاخي أرلان أدريسوف، الذي قال إن المشروع سوف يربط بين الصين وأوروبا وروسيا والشرق الأوسط، ويطلق عليه «خورغس» بالكازاخية.
السبب الثالث يعود إلى أن الأوضاع لو تطورت إلى تغيير النظام السياسي في كازاخستان فهذا يعني أكبر تطور في منطقة آسيا الوسطى في التنافس العالمي حيث ينظر لأي قيادة جديدة أنها سوف تبتعد بكازاخستان عن روسيا والصين وتتقارب مع الغرب.
السبب الرابع يعود إلى أن إحياء الجماعات الإرهابية والمتطرفة لنشاطها في المنطقة في الفترة الأخيرة، وتخشى غالبية الدول وفي المقدمة منها دول منطقتنا، اتساع نشاط هذه التنظيمات ومنها تنظيم خرسان التابع لداعش، بالإضافة إلى ما يسمى «بالحزب الإسلامي الأوزبكي» و«الحزب الإسلامي التركستاني» و«ومنظمة الأكرمية الإسلامية» و«حركة النهضة الطاجيكية»
4 سيناريوهات
لا تزال الأحداث في كازاخستان في بدايتها، ولهذا يمكن تصور 4 سيناريوهات رئيسية، الأول سيناريو «الاحتواء» الذي يقوم على قدرة السلطات الكازاخية والرئيس قاسم جوركاييف على احتواء المعارضة عن طريق عقد سياسي واجتماعي جديد بمساعدة 3000 جندي من قوات منتمية للأمن الجماعي بقيادة روسيا، بحسب بيان لوزارة الدفاع الروسية.
السيناريو الثاني هو «تغيير النظام» بمعنى امتداد الهشاشة السياسية والأمنية التي ظهرت في الأيام الأولى إلى هروب كبار المسؤولين وسقوط الدولة بالكامل في يد المعارضة.
أما الثالث فهو «السيناريو الأوكراني» الذي بدأ بمظاهرات مشابهة عام 2005، واستمر الصراع حتى تغيير النخبة السياسية عام 2014، وصولاً لما نراه اليوم من صراع خارجي بين أوكرانيا وروسيا بسبب دونباس التي يوجد بها قومية روسية على غرار كازاخستان التي يوجد بها نحو 3.5 مليون روسي، حسب تقديرات التقرير السنوي للاستخبارات المركزية الأمريكية.
السيناريو الرابع هو «السيناريو السوري» حيث شاهد الجميع كمية السلاح مع المعارضين، وعندما يؤخذ في الاعتبار الدعم الروسي الكامل وبدون أي شروط للحكومة الكازاخية الحالية يمكن أن نشاهد تكرار «للسيناريو السوري» القائم على استخدام السلاح، وأن تدعم روسيا الحكومة، ويدعم الغرب المعارضة، وهو أمر لا يتمناه أحد للشعب الكازاخي.
31 عرقية و86 نهراً
المشهد في كازاخستان يشبه ما حدث في تشيكوسلوفاكيا عام 1968 عندما أرسل الاتحاد السوفييتي قوات لقمع المظاهرات وأطلق عليها «ربيع براغ»، فعندما اندلعت الأحداث في كازاخستان كان الحديث يدور عن ارتفاع أسعار الغاز في محطات تموين السيارات، لكن مشاركة نحو 20 ألفاً في محاولة السيطرة على مطار ألماتي، حسب تصريح الرئيس قاسم جوركاييف الجمعة وعملية التخريب الواسعة في جميع أنحاء البلاد، وقطع رأس شرطيين اثنين، حسب بيان وزار الداخلية الكازاخية، يؤكد أن الأمر أبعد من أسعار الغاز، ويجري الحديث عن 3 أسباب رئيسية، في مقدمتها عدم التوزيع العادل للسلطة والثروة، في بلد يعد هو الأغنى بين جمهوريات آسيا الوسطى، فعدد السكان الذين لا يتجاوز 19 مليون نسمة يعيشون على مساحة تزيد على 2.7 مليون كم، بمعنى أن هناك كم لكل 7 أشخاص بحسب ويكيبيديا، كما يجري في البلاد 86 نهراً عذباً، كما تنتج كازاخستان نحو مليون و856 ألف برميل نفط يومياً، ناهيك عن كميات أخرى من الغاز، بحسب تقديرات CIA، التقرير السنوي الذي يصدره تحت عنوان The Worl factbook، الذي كشف أن كازاخستان بها 31 عرقية، أهمهم 68% يمثلون الكازاخيين، و19.3% من الروس، و3.2% أوزبك و1.5% أوكرانيون، و1.5% إويجور، مع 1.1% تتار و1% ألمان، إضافة إلى 4% من أصول أخرى، منهم مليون و212 ألفاً يقيمون في العاصمة نور سلطان، مع مليون و928 ألفاً.
صراع القبائل الثلاث
في العاصمة القديمة Almaty K وبحسب الكاتب الروسي إلكسندر نازروف فإن هناك صراع على الثروة والسلطة بين مكونات القبائل والعشائر الكازاخية الثلاث التي يطلق عليها الجوز Zhuz، التي تصنف الى قبائل الجوز الأصغر والجوز الأوسط والجوز الأكبر، وأن قبائل الجوز الأوسط التي ينتمي لها الرئيس السابق نور سلطان، والرئيس الحالي قاسم جوركاييف هي التي تسيطر على الجزء الأكبر من السلطة والثروة، وهو ما دفع المنتمين لقبائل الجوز الأصغر لبداية الأحداث في الشرق، وانضم لهم قبائل الجوز الأكبر والأصغر في الجنوب.
البيئة المضطربة
السبب الثاني هو البيئة المضطربة التي تعيش كازاخستان بالقرب منها أبرزها الفراغ الأمني في منطقة آسيا الوسطى بعد الخروج الأمريكي من أفغانستان، ونشاط الجماعات الإرهابية في تلك المنطقة من العالم، و محاولة كازاخستان أن «توازن» في سياستها الخارجية في ظل احتدام الصراع بين الولايات المتحدة وحلفائها من جانب وروسيا والصين من جانب آخر، والتنافس الحاد بين تركيا وإيران، تركيا تقود دول المجلس التركي الذي يتكون من دول في آسيا الوسطى تتحدث التركية وهي تركيا وكازاخستان وأوزباكستان وقيرغيزيستان وتركمانستان، وسوف تعقد اجتماعاً على مستوى وزراء الخارجية في 11 من يناير الجاري، بحسب وكالة الأناضول، لمناقشة الأزمة الكازاخية، بينما تنشط إيران لدى الدول الناطقة بالفارسية في آسيا الوسطى هي إيران وأفغانستان وطاجاكستان.
حزام النار
السبب الثالث يعتمد على التفسير الروسي للأزمة الكازاخية، و أنها تأتي في إطار سياسة «حزام النار» الذي تحاول واشنطن أن تفرضه قرب الحدود الروسية، فالصراعات في أوكرانيا وبيلاروسيا وكازاخستان التي تمتد حدودها البرية مع روسيا إلى 7600 كم، تقرؤها موسكو بأنها محاولات غربية لاستنزاف روسيا من جانب الغرب.