تخفي الصورة النمطية الشائعة الآن عن علاقة الصراع والتنافس الحادة، بين أمريكا والصين، الكثير من الخلفيات عن علاقة أمريكا بآسيا إجمالاً.
رغم وجود تحالف قوي بين أمريكا وعدة دول آسيوية كبرى في مقدمتها اليابان، إلا أن هناك تنافساً مكتوماً أحياناً وظاهراً أحياناً أخرى بين أمريكا وأصدقائها في آسيا، تدور ساحاته في مجال الصادرات والأسواق.
يبلغ هذا التنافس ذروته الآن بين أمريكا واليابان، وكانت هناك سجالات ساخنة بين الطرفين في الثمانينيات والتسعينيات، بسبب ما كانت أمريكا تعتبره تلاعباً في سعر الين لدعم الصادرات اليابانية على حساب الأمريكية، قبل أن تصب أمريكا اهتمامها حول سعر الصرف لاحقاً على الصين وحدها.
وفي حلقة جديدة من المباريات الصناعية بين أمريكا واليابان، تم الإعلان، الثلاثاء، عن تفوق مبيعات تويوتا اليابانية على جنرال موتورز الأمريكية في عقر دارها، أي السوق الأمريكي، بواقع 114 ألف سيارة بالزيادة في العام 2021.
توالت التعليقات منذ اللحظة الأولى للإعلان. واعتبر البعض أن ذلك متوقع حيث تشهد صناعة السيارات الأمريكية تراجعاً منذ سنوات لصالح صناع آخرين. وربما يكون الأمر مرحلياً بسبب النقص في أشباه الموصلات اللازمة لصناعة السيارات.
يعتبر التفوق الياباني بمثابة ضربة من حليف موثوق لرمز من رموز الصناعة الأمريكية، وقد حدث بالرغم من أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب كان قد أقسم بأن تصدر تويوتا السباق سيكون على جثته، وهي الراية التي لا يزال أنصاره يرفعونها مطالبين بالمزيد من الحمائية للصناعات الأمريكية.
فور إعلان موقع «سي إن إن» عن فوز تويوتا، تساءل البعض: ماذا لو كان التفوق قد جاء من شركة صينية وهل كانت الولايات أمريكا ستسكت أو تسمح بذلك أصلاً؟
توصف اليابان عادة بأنها أهم حليف للولايات المتحدة في آسيا. ويقال إن المواطن الياباني يمنح درجة ثقة للولايات المتحدة تعادل 8 مرات وأكثر درجة ثقته في الصين، لكن السوق له أحكام أخرى.
ولم تكن هذه هي الضربة الأول في المجال الهندسي، الذى درته السيارات ففي 2007، تفوقت تويوتا على جي إم، وها هي تعود بعد 15 عاماً لتتفوق داخل البيت الأمريكي.
بصفة أعم، شهدت صناعة السيارات في العالم تغيرات كثيرة على مدار الأربعين عاماً الماضية. وبعد أن كانت الصناعة غربية الهوى بالكامل تقريباً، برز منتجون كبار على رأسهم اليابان وكوريا والصين، وارتفعت أيضاً في الطريق أسهم الهند وروسيا والمكسيك.
وتدل أحداث الأزمة المالية العالمية في 2008، والتي ترتب عليها إعلان جنرال موتورز إفلاسها في 2009 كان بمثابة قضية أمن قومي أمريكي. وفي سنوات تالية، وجهت الولايات المتحدة ضربات استخباراتية إلى صناعة السيارات في ألمانيا، عبر الإعلان عن فساد في مرسيدس بنز. ثم كشف التلاعب في أجهزة الكمبيوتر في فولكس فاجن، ما يدل أيضاً على أن هذه الصناعة تحظى بأهمية في الدوائر العليا في الولايات المتحدة.
ازدهر تقدم اليابان التكنولوجي في الثمانينيات، وبلغ ذروة مع مطلع التسعينيات، حتى إنه ظهرت كراسة ألفها اثنان من اليابانيين عنوانها «اليابان يمكنها أن تقول لا»، بيعت منها مئات آلاف من النسخ في الولايات المتحدة ذاتها، فور صدورها.
كانت ركيزة التفوق الياباني وقتذاك تستند على أن اليابان سبقت أمريكا بمسافة تصل لـ5 سنوات في أشباه الموصلات، وبذا يمكنها أن تقول إنها ليست ذلك البلد الذي تتحكم فيه الولايات المتحدة بقواعدها العسكرية الضخمة هناك.
وفي المستقبل سيظل ذاك المجال، أي أشباه الموصلات، ومعه النانو والذكاء الاصطناعي من أهم مجالات التنافس بين الحليفين.
المثير أنه عندما حدث هذا الزهو الياباني بالسبق التكنولوجي، عكف باحثون استراتيجيون أمريكان من تخصصات علمية ونظرية على دراسة السبب وتبين لهم أن اليابان تقدم مثلاً لإمكانية تفوق دول تكنولوجياً، دون أن يكون لها رصيد كبير، كأمريكا أو دول الغرب الكبرى في العلوم الأساسية.
من هنا، تم إنشاء الجمعية الأمريكية لإدارة التكنولوجيا، كما تم فتح المجال لتعاون أوسع بين البحوث العسكرية والمدنية، ما قاد سريعاً إلى قفزة أمريكية كبرى ظهرت آثارها بعد ذلك في تكنولوجيا المعلومات.
ثمة سبب أخير هو أن الولايات المتحدة ربما تساهلت مع العملاق الياباني هندسياً، على أمل أن يقوم الحليف الياباني ومعه حليف آخر هو كوريا الجنوبية، بإلحاق هزيمة بالسيارات الصينية التي تسحب البساط من تحت الجميع.