بعد مرور 3 عقود على انهيار الاتحاد السوفييتي، يزداد بزوغ نجم روسيا كدولة عظمى، تطمح في تعزيز مكانتها ودورها عالمياً، وبعدما شهد العام المنصرم 2021، العديد من القضايا الشائكة التي كانت روسيا طرفاً فيها، فإن العام الجديد من المتوقع أن يشهد استمرار المساعي الروسية لتقوية دورها العالمي. ورسم خبراء بارزون، ملامح السياسة الخارجية الروسية في العام الجديد، في تقرير نشره موقع "موسكو تايمز".
التقارب الروسي- الصيني
ومن جانبه، اعتبر رئيس برنامج روسيا في معهد كارينغي موسكو، ألكسندر غابوف أن العلاقات الروسية- الصينية، من المتوقع أن تتعمق جذورها في العام الجديد، خاصة وأن حجم التجارة بينهما في عام 2021، قد وصل إلى رقم قياسي، حيث سجل نحو 140 مليار دولار، وهو الأمر الذي جاء بسبب ارتفاع الأسعار، وكذلك زيادة شحنات الغاز الروسي إلى الصين عبر خط "قوة سيبيريا"، أو "Power of Siberia"، والذي ينقل الغاز الروسي من سيبيريا إلى الصين، بالإضافة إلى زيادة صادرات الفحم الروسي إلى الصين.
وأوضح غابوف أنه من المتوقع استمرار ذلك الاتجاه خلال العام الجديد، وسط توقعات بأن تتحول الصين من استخدام الفحم إلى مصادر أخرى أنظف، مثل الغاز الطبيعي، ما يعني أنه قد يكون هناك تعاوناً أكبر بين البلدين في مشروعات مشتركة، في هذا المجال.
وأضاف أنه ربما يتم الكشف عن تلك المشروعات خلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، المرتقبة إلى الصين، في شهر فبراير المقبل، وخاصة التوقيع على عقد خط الغاز الجديد، "قوة سيبيريا- 2"، أو "Power of Siberia-2".
ولفت غابوف إلى أن الأوضاع السياسية تدفع نحو تعميق العلاقات الروسية- الصينية، فمن المتوقع أن يستمر الصراع بين روسيا والغرب، وبالتالي فرض مزيد من العقوبات الأمريكية والغربية عليها، وفي نفس الوقت من المتوقع أيضاً استمرار المنافسة وربما المواجهة ما بين أمريكا والغرب وبين الصين.
زيادة التجارة مع الشرق الأوسط
وعن روسيا وسياساتها تجاه الشرق الأوسط في العام الجديد، قالت مراسلة الشرق الأوسط لصحيفة كوميرسانت الروسية اليومية، ماريانا بيلنسكايا إنه يبدو أن سياسات موسكو لم تعد تركز على الشرق الأوسط، كما كان عليه الحال في سنوات سابقة، مع بدء الانخراط الروسي في الملف السوري، ويتمثل الهدف الأبرز لروسيا في الشرق الأوسط في العام الجديد، في زيادة حجم التجارة بما في ذلك زيادة سوق الحبوب، وكذلك زيادة الاهتمام وشراء الأسلحة الروسية.
وبالنسبة للدور الروسي في سوريا، قالت بيلنسكايا إن موسكو مهتمة بعدم اشتعال الأوضاع مجدداً، خاصة في المناطق الهادئة، وكذلك تريد موسكو عدم دخول أي قوى عالمية إلى داخل سوريا، كما تأمل موسكو أيضاً في خروج دمشق تدريجياً من العزلة الدولية، مع استمرار موسكو في عمليات إعادة أعمار البنية التحتية.
واعتبرت بيلنسكايا أن موسكو ربما كان عليها أن تزيد اهتمامها بالملف الليبي، خاصة أن الغموض يسود مستقبل الأوضاع الليبية، لتستفيد من حسن علاقتها مع كافة أطراف الصراع في ليبيا.
وأشارت بيلنسكايا إلى أن موسكو تولي أهمية كبيرة بالملف النووي الإيراني، مع سعيها إلى دفع مفاوضات فيينا الرامية إلى العودة إلى الاتفاق النووي المبرم مع إيران عام 2015، قبل انسحاب واشنطن منه في عام 2018.
المواجهة مع أوكرانيا
وإذا كانت العلاقات الروسية- الأوكرانية قد شهدت توتراً كبيراً خلال أواخر العام الماضي، فإنه من غير المتوقع أن ينتهي ذلك التوتر تماماً في العام الجديد، حسبما قال المدير العام لمجلس الشؤون الدولية الروسي، أندريه كورتونوف، مضيفاً أن أكبر نجاح يمكن تحقيقه هو تجنب المواجهة المباشرة بين البلدين، سواء في منطقة دونباس برا، أو في بحر أزوف.
ولفت كورتونوف إلى أن الدعم الأوروبي إلى أوكرانيا، قد يشهد تراجعاً، بسبب الانتخابات الرئاسية في فرنسا، وكذلك القيادة الجديدة في ألمانيا، وبذلك تظل الولايات المتحدة هي أكبر داعم لأوكرانيا خلال العام الجديد، إلا أنه من المتوقع أن يكون أغلب التركيز الأمريكي منصباً على إدارة التنافس مع الصين، لتكون الأزمة الأوكرانية في أولوية لاحقة في ترتيب أولوية اهتمامات إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.
روسيا وعلاقاتها بأمريكا وأوروبا
ومن جانبه اعتبر الكاتب السياسي والدبلوماسي الروسي السابق، فلاديمير فرولوف أن أوكرانيا وتوسعة حلف شمال الأطلنطي "الناتو"، والترتيبات الأمنية الخاصة بين روسيا وأوروبا، ستظل من الملفات الساخنة في العلاقة الروسية- الأمريكية في عام 2022.
وأضاف أن موسكو لديها توقعات كبيرة، بعد وعد بايدن بمناقشة مخاوف روسيا بشأن توسعة الناتو، وسيكون أمام بايدن وقت قصير في العام الجديد، للتفاوض على تسوية مقبولة مع بوتين بشأن أوكرانيا والأمن الأوروبي.
أما مدير تحرير ريدل روسيا، أنطون بارباشين فأشار إلى أنه في ظل الأحداث المتصاعدة في نهاية عام 2021، بالنسبة لروسيا وأوكرانيا، فقد يكون من المستحيل، رؤية مستقبل مشرق للعلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي في العام الجديد، وأضاف أن أفضل سيناريو يمكن التنبؤ به، هو ألا يزداد تدهور تلك العلاقات.
القمة الروسية-الأفريقية
وحول العلاقات الروسية- الأفريقية في العام الجديد، قال رئيس مركز الدراسات الأفريقية في المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، أندري ماسلوف "زاد حجم التجارة الروسية الأفريقية خلال العام المنقضي، لأول مرة منذ 2018، مع عدة دول، وكذلك زاد نطاق السلع المتداولة، حيث زادت المبيعات من معدات السكك الحديدية والأسمدة والأنابيب والمعدات عالية التقنية والألومنيوم".
كما أنه من المقرر عقد القمة الروسية - الأفريقية الثانية في عام 2022، حيث سيتم الإعلان في فبراير المقبل، عن مكان وموعد انعقادها، وعلى الأرجح سيكون انعقادها في روسيا في شهر نوفمبر.
ولفت ماسلوف إلى أن قياس نجاح القمة المقبلة، لن يكون بعدد القادة الأفارقة الذين سيحضرها، كما كان الحال في قمة 2019، وإنما سيكون التركيز على جدول الأعمال، وهو ما يجري الإعداد له حالياً، كما ستحاول روسيا زيادة وجودها في أفريقيا، مع تجنب المواجهة المباشرة مع اللاعبين الآخرين غير الإقليميين.