في عالم الأسواق المالية، هنالك حومة من الأساليب واستراتيجيات الاستثمار والمضاربة. أولها الاستثمار طويل الأجل سواء مباشرة أو عن طريق شركة وساطة. وثانيها المضاربة اليومية لتحقيق.
الأسلوب الأول يعتمد على استثمار مبلغ ما في إحدى العملات الرقمية أو الشركات المدرجة بأسواق المال على أمل أن يحقق الاستثمار مكسباً على المدى الطويل. ولكن الأسلوب الثاني، يركز على القيام بعمليات مضاربة مستمرة بشكل يومي والاعتماد على تقلبات السعر لتحقيق مكاسب أكبر إن قورنت بالاستثمار طويل الأجل ولكن المخاطر كذلك أكبر.
في حالة العملات الرقمية وخاصة في العامين الأخيرين، حدث تسارع رهيب في نمو حجم السوق الذي وصل لما يقارب 2.3 تريليون دولار وقت كتابة هذا المقال، وكذلك في نمو التطبيقات المبنية على البلوك تشين، وإتاحة تطبيقات الهاتف الذكي الاستثمار للجميع وجعله في متناول اليد دائماً.
كل ذلك دفع صغار المستثمرين لتوقع ربح سريع خلال فترة قصيرة، ولكن قدرة المستثمر الجديد على الوصول والتحكم في الأصول باستمرار وفي أي وقت، وضعته في موقف لا يحسد عليه وتحديداً من حيث الضغط العصبي المتواصل الناتج عن المتابعة اللحظية لتقلبات السعر.
وبدون خبرة كافية، كانت النتيجة أن أغلب المستثمرين الجدد خسروا أموالهم أو نسبة منها بسرعة أكبر من أمنياتهم في تحقيق ثراء سريع، لأنهم بشكل أو آخر مارسوا المضاربة اليومية والتي تختلف كل الاختلاف عن الاستثمار لما بها من مخاطرة أكبر، وضرورة لمعرفة التحليل الفني للسوق وإدارة المخاطر والأهم إدارة الضغوط النفسية التي تنتج عن تقلبات السعر وعدم تقبل المستثمر الجديد للخسارة.
أيضاً، المضاربة اليومية لتحقيق أرباح قصيرة الأجل، تعتمد على تحليل فني جيد لحركة السعر وتحديد نقاط دخول وخروج جيدة للمضاربة، وانتباهاً كاملاً للأخبار وكل ما يمكن أن يتسبب في حركة مفاجئة للسعر. هذه ليست هواية أو عمل جانبي، فهي نوعاً ما تعتبر وظيفة بدوام كامل. وهذه هي الحقيقة الأولى التي يحتاج المستثمر الجديد لتقبلها والتعامل معها بكل جدية، لأنها كأي وظيفة أخرى تحتاج عدد من المهارات والخبرات الضرورية لإتمام العمل بشكل جيد وتحقيق نجاحات فيه. الاستثمار في اكتساب المهارات المطلوبة هو أفضل استثمار ممكن قبل الاستثمار المادي في أي من الأصول سواء عملات رقمية أو أسهم.
يدخل الفرد في عدد من المضاربات يومياً، بعضهم يخسر والبعض يكسب. وبكل ثقة أؤمن بأنه لا يوجد أي شخص مهما كانت خبرته أو معرفته لا يتعرض لخسارة. الخبرة هنا تلعب دورها في تقبل الخسارة وعبور الحالة النفسية السيئة الناتجة عنها بسلاسة. ولكن البعض ولنقص الخبرة في إدارة المخاطر وفي فهم الأسواق المالية، يحول المضاربة إلى قمار، يرفض الخسارة ويسيطر عليه الغضب والرغبة في تحقيق مكسب ليدخل في مغامرات غير محسوبة تؤدي إلى تعميق الجرح بالخسائر.
بغض النظر عن مدى ثقة المستثمر في خطته للمضاربة اليومية. في كل مضاربة هنالك مخاطرة واحتمال الخسارة وارد، وعندما تدخل الخطة النظرية حيز التنفيذ، يصبح المشهد مختلفاً كلياً ليصبح لعبة ذكاء من البداية للنهاية يكسبها الأكثر اتزاناً نفسياً والتزاماً بصرامة تجاه الاعتماد على المعرفة ودراسة السوق وإدارة المخاطر والأهم إدارة عواطفه.
إذا كان المستثمر غير قادر على ضبط نفسه خلال المضاربة ووضع عواطفه جانباً والالتزام بالتحليل العقلاني للسوق لا للانحيازات والأمنيات، فمن الأفضل ألّا يضارب يومياً ويعتمد على أحد أدوات المضاربة الآلية ومن خلالها يمكنه وضع استراتيجيته في حيز التطبيق بدون تدخل مستمر ليركز هو على السيطرة على مخاوفه وأمنياته.