مع غروب شمس يوم الحادي والثلاثين من شهر ديسمبر الجاري تدخل العراق مرحلة جديدة، فالمهام القتالية لقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة انتهت، وأصبحت المسؤولية الأمنية بالكامل يتحملها الجيش العراقي، الأسئلة كثيرة وكبيرة حول المرحلة المقبلة، هل تقود هذه الخطوة التي جاءت نتيجة لاتفاق بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في 26 يوليو الماضي إلى استقرار مستدام، أم تستغلها الجماعات الإرهابية وتنظيم داعش للعودة والظهور من جديد؟ وهل يؤشر هذا التحرك إلى أن العراق عاد بالفعل إلى مرحلة اليقين السياسي والأمني؟
رؤية بديلة
ويزيد من أهمية وتوقيت تغيير مهام القوات الأمريكية والتحالف الدولي، أنه لا يتزامن فقط مع مرور 4 سنوات كاملة على إعلان رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي في 10 ديسمبر 2017 هزيمة تنظيم داعش، بل أيضاً لأنه يأتي بعد أولى محاولات التنظيم الإرهابي للعودة مرة أخرى إلى الساحة العراقية. فكل المؤشرات تقول إن هناك زيادة كبيرة في عدد وخطورة العمليات الإرهابية التي ينفذها، الأمر الذي يدفع العراق إلى العمل على تفادي تكرار ما حدث عام 2014 عندما سيطر «داعش» على معظم المدن شمال غرب العراق.
اختلاف المفاهيم
أكثر التحديات التي تواجه التناغم العراقي مع المهام الجديدة لقوات التحالف الدولي، هو اختلاف المفاهيم، فوجهة نظر واشنطن أن البقاء مع تغيير المهام يأتي ضمن اتفاقية الإطار الاستراتيجي لعلاقة الصداقة والتعاون، التي وقع عليها البلدان عام 2008، وصادق عليها البرلمان العراقي نهاية 2008، قبل أن يتم العمل بها بداية من يناير 2009.
لذلك ورغم الانسحاب الأمريكي من العراق في 2011، إلا أنه في إطار هذه الاتفاقية الاستراتيجية، طلبت بغداد مساعدة واشنطن عسكرياً لوقف تقدمات «داعش»، واستجابت واشنطن عندما دشنت مع 85 دولة أخرى التحالف الدولي لمحاربة التنظيم في سوريا والعراق في سبتمبر من نفس العام.
لكل هذا ترى واشنطن في وجودها في العراق بعد 31 ديسمبر أنه يقوم على أساس قانوني راسخ وقبول رسمي واضح، ولذا لن تسحب 2500 جندي أمريكي، و1000 جندي من قوات التحالف، لأنها تعتمد في بقائها على الأراضي العراقية على محورين رئيسيين: أولهما أن بقاءها في العراق بهذا العدد دون تغير يأتي بدعوة رسمية من الحكومة العراقية، والمحور الثاني أن هناك حاجة لدعم العراق في حربه ضد الإرهاب.
ينص الاتفاق بين بغداد وواشنطن الذى جرى التوقيع عليه في البيت الأبيض أثناء زيارة الكاظمي في يوليو الماضي، على بقاء القوات الأمريكية مع انتهاء المهام القتالية وتغييرها إلى التدريب.
لكن هذا الاتفاق له مفهوم آخر عند البعض الذين أعلنوا أنهم سيهاجمون القوات الأمريكية وقوات التحالف بعد الساعة 12 مساء يوم 31 ديسمبر هذا العام، إذا لم تسحب واشنطن وكل شركائها في التحالف الدولي قواتهم من العراق، وفق ما أعلنت فصائل عراقية عدة منها حركة «النجباء» التي قال أمينها العام، أكرم الكعبي «نحن جاهزون كما كنا بعد عام 2003 لنقاوم الاحتلال الأمريكي من تحت الأرض»، وهو ما يؤكد أن قوات التحالف ستكون مستهدفة، كما كانت خلال السنوات الماضية.المناطق الرخوة
رغم عمل القوات العراقية بكل فروعها مع قوات التحالف لمدة 7 سنوات متواصلة منذ سبتمبر 2014، إلا أن الأمم المتحدة حذرت مرارا من أن «داعش لديه الكثير من الموارد المالية والبشرية منها 10 آلاف عنصر في سوريا والعراق»، وفق ما نقلت شبكة يورو نيوز، وربما هذه الموارد هي التي ساعدته للقيام بعمليات نوعية وخطيرة منذ بداية هذا العام، وعودة خلاياه إلى الكثير من المناطق «الرخوة أمنياً» مثل كركوك وديالى وصلاح الدين ونينوى.
لن يصل التحدي الذي يفرضه داعش إلى مستوى عام 2014 واحتلال المدن العراقية لأسباب كثيرة، منها أن حكومة الكاظمي نجحت في تمثيل الجميع رغم الخلاف على نتيجة الانتخابات التي جرت في 10 أكتوبر الماضي، وعدم وجود بيئة اجتماعية وسياسية رافضة للحكومة الحالية كما كان قبل 7 سنوات، كما أن الثقل الحقيقي لداعش لم يعد في سوريا والعراق، وانتقل إلى أفريقيا وآسيا، ناهيك عن زيادة خبرة وقوة الجيش العراقي.