في خطوة لاستعادة الاتحاد الأوروبي لمكانته الاقتصادية على المستوى العالمي، أعلنت المفوضية الأوروبية، الأربعاء الماضي، عن مشروع اقتصادي ضخم يحمل اسم «البوابة العالمية»، ستحشد له مئات المليارات من اليورو، للاستثمار في مشاريع البنى التحتية خارج الاتحاد الأوروبي، لمواجهة المشروع الصيني المماثل «طريق الحرير الجديد»، الذي انطلق منذ سنوات، واستثمرت من خلاله بكين عشرات المليارات من اليورو في المواني، والطرق، وغيرها من أشكال البنى التحتية الأخرى، في جميع القارات.
وأوضح خبراء ومحللون اقتصاديون تحدثوا لـ«الرؤية» أن هذا المشروع الضخم، الذي يحاول من خلاله الاتحاد الأوروبي استدراك التأخر والنقص على المستوى الاقتصادي العالمي، والحفاظ على نفوذه الجيو استراتيجي، غير مدروس جيداً، ولن يُرجع للاتحاد الأوروبي قيمته كقوة اقتصادية كبيرة منافسة بقوة، وأن دوره سيكون هو تأخير السقوط الاقتصادي للاتحاد، «الذي هو آتٍ لا ريب فيه»، وأنه لن ينجح بسبب مجموعة من العوامل، من بينها عدم تجانس المجموعة الأوروبية، والاختلافات والصراعات بين دولها، وضعف الصناعات، والتكنولوجيا، والبحث العلمي، داخل الاتحاد الأوروبي.
300 مليار يورو من الاستثمارات
سيحشد لهذا المشروع ما يصل إلى 300 مليار يورو من الأموال العامة والخاصة بحلول عام 2027، ستستثمر في مشاريع البنية التحتية خارج الاتحاد الأوروبي، في غرب البلقان، وأفريقيا، وأمريكا الجنوبية، وآسيا.
وستكون الأولوية، بحسب المفوضية الأوروبية، للاستثمار في القطاعات الرقمية، والصحية، والمناخية، والطاقة، والنقل، فضلاً عن التعليم والبحث.
تأخير السقوط الاقتصادي
وقال الخبير المالي والاقتصادي، الطيب آعيس، إن «أوروبا أصبحت متخلفة اقتصادياً في مواقع كانت رائدة فيها اقتصادياً في الماضي، وتحاول الآن استدراك هذا التأخر والنقص، من خلال توجيه هذه الاستثمارات الجديدة الضخمة، التي تهدف إلى الاستثمار في البنى التحتية، وفتح أسواق للمنتجات الأوروبية».
وأضاف آعيس، في تصريحات خاصة، أن «مشروع البوابة العالمية لا يمكن أن يُرجع للاتحاد الأوروبي قيمته كقوة اقتصادية كبيرة منافسة بقوة، وأن الاتحاد الأوروبي يتراجع اقتصادياً، وأنه بعدما كانت الدول الأوروبية الأولى عالمياً على المستوى الاقتصادي، أصبحت الآن في ذيل الدول العالمية»، مبرزاً أن «الاتحاد يحاول الآن فقط تأخير سقوطه الاقتصادي، الذي هو آتٍ لا ريب فيه، لأن هناك عوامل موضوعية تدفع نحو ذلك، وتقف ضد الريادة الاقتصادية والعلمية الأوروبية».
وبخصوص تلك العوامل الموضوعية، أوضح آعيس أنه «بينما تزداد الكثافة السكانية والنمو في أفريقيا وآسيا، تتقهقر أوروبا سكانياً، ولذلك تحاول الآن، في إطار ما تسميه الهجرة المختارة، استقطاب العلماء، والرياضيين، والمفكرين، والمهندسين، والأطباء، لتستدرك الدول الأوروبية النقص الذي سيكون عندها على مستوى التعداد السكاني».
وأردف آعيس أن «البحث العلمي بدأ أيضاً يتراجع في أوروبا، وأن التخصصات الموجودة مثلاً في الصين، وكوريا، والهند، وحتى في أفريقيا، غير موجودة في أوروبا، وأن المهندسين والعلماء الذين يهتمون بالبحث العلمي، موجودون الآن في الصين، والهند، والولايات المتحدة الأمريكية، وحتى في أفريقيا هناك مجموعة منهم وإن كانوا يهاجرون»، بحسب آعيس.
وبين آعيس أنه «بسبب العنصرية ضد الأجانب، وخصوصاً العرب والأفارقة، في أوروبا، فقد بدأ هؤلاء يهربون منها، ويهاجرون إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الأخرى التي تستقطبهم، ما نتج عنه تراجع في البحث العلمي في أوروبا».
كما أفاد آعيس أن «أوروبا تعاني من أزمة مالية خانقة فاقمها فيروس كوفيد-19، مقابل قوة مالية صينية رهيبة، ناتجة عن الفائض المالي الضخم جداً على مستوى الميزان التجاري في الصين».
مشروع غير مدروس
ومن جانبه، قال المحلل الاقتصادي، رئيس المركز المستقل للتحليلات الاستراتيجية، إدريس الفينة، إن «الهدف من هذا المشروع الكبير (البوابة العالمية)، الذي أعلن عنه الاتحاد الأوروبي، هو الحفاظ على النفوذ الجيو استراتيجي لهذه المنطقة (الاتحاد الأوروبي) على العالم»، مبرزاً أن «الاتحاد الأوروبي كان له تواجد كبير لمدة طويلة على مستوى المبادلات التجارية العالمية، لكن هذا النفوذ بدأ يتقلص تدريجياً لمصلحة دولتَي الصين والولايات المتحدة الأمريكية، اللتين بدأتا تملآن عدداً من الأماكن، التي كان الاتحاد الأوروبي يحتلها اقتصادياً على مستوى القارة الأفريقية، وآسيا، وأمريكا اللاتينية».
وأضاف الفينة، في تصريحات خاصة، أن «مشروع الاتحاد الأوروبي غير مدروس جيداً، وبالرغم من أن هدفه هو الحفاظ على النفوذ الجيو استراتيجي والسياسي الحالي للاتحاد الأوروبي، إلا أنه لن يكون له نفس الوقع والزخم الخاص بالمشروع الصيني، لأن الوضع الديمغرافي الأوروبي، والقوة التصديرية الأوروبية، في تراجع، كما أن التكنولوجيا، والمختبرات الكبيرة، موجودة في الصين، والاختراعات الكبيرة تحدث كذلك في الصين، إضافة إلى وجود ضعف داخلي للصناعات، والتكنولوجيا، والتحكم فيها، في الاتحاد الأوروبي».
وأبرز الفينة أنه «كان من الأفضل أن يرصد الاتحاد الأوروبي هذه المبالغ لتطوير التكنولوجيا داخلياً، والتحكم أكثر في الصناعات المستقبلية، عوضاً عن تطوير بنيات تحتية خارج الاتحاد الأوروبي».
اللعب على التناقضات
من جهته، قال الخبير الاقتصادي، محمد شيكَر، إن «الاتحاد الأوروبي إذا نجح في تنفيذ هذا المشروع، فربما يحاصر الصين الشعبية والولايات المتحدة الأمريكية اقتصادياً من خلال هذا المشروع، الذي سيكون، بحسبه، في مصلحة أمريكا الجنوبية، وأفريقيا، وآسيا، لأنه سيقود نحو تنافس حول الاستثمار في هذه المناطق، ما سيتيح لدولها اللعب على التناقضات، والمحافظة إلى حد ما على هامش السيادة، وملاعبة كل طرف مستثمر بالطرف الآخر».
وفي المقابل، أوضح شيكَر، في تصريحات خاصة»، أن «المشروع في نظره يبقى مجرد إعلانات، لأن أوروبا تعيش حالياً نوعاً من التراجع»، مبرزاً أنه «عندما نتحدث عن الصين الشعبية فهي بلاد عندها رئيس يتخذ قراراً، والأمر نفسه بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، في حين أن الاتحاد الأوروبي مكون من مجموعة من الدول غير المتجانسة، وبينها اختلافات وصراعات».
وأوضح شيكَر أن «مشروع الاتحاد الأوروبي لن يكون بفاعلية المشروع الصيني، أو مشروع الولايات المتحدة الأمريكية، خصوصاً أن الاتحاد الأوروبي لديه تاريخ استعماري، عكس الصين الشعبية التي لا يوجد في تاريخها إلى حد الآن، أو في طريقة تعاملها، بعد استعماري، كما هي الحال بالنسبة للاتحاد الأوروبي مع القارة الأفريقية، والولايات المتحدة الأمريكية مع أمريكا اللاتينية».