حكايات صغيرة
يختلف التعليق على كرة القدم بين معلق وآخر، حتى في البلد الواحد هناك نماذج مختلفة من التعليق، فمنها الهادئ والعقلاني والخيالي والواقعي والصاخب، وهذا كله بسبب عدم وجود معايير محددة للتعليق، فهو فن أو أدب منفلت يحدد نوعيته المُعلِق نفسه.
وجود التعليق الوصفي أصبح نادراً، وغالباً ما يختبئ تحت عباءة التحليل، لأن المعلِق بدأ يعطي التحليل مساحة أوسع لفرض أفكاره على المُشاهِد، خاصة في ظل الثورة التقنية ووفرة المعلومات والإحصاء والقصص الكروية الكثيرة.
قبل عقود، كان المتابعون يحفظون أسماء اللاعبين بسبب كثرة ترديدها من قبل المعلقين، حتى الأسماء الأجنبية الصعبة أصبحت سهلة بسبب تعود الأذن على سماعها، لكن معلقي الأجيال الجديدة يهملون أسماء اللاعبين ويركزون على معلومات الإنترنت، باستثناء أوقات محدودة من المباراة يذكرون فيها أسماء بعض الموهوبين.
هناك فارق كبير بين سرعة إيقاع التعليق في قنواتنا الرياضية والسرعة الحقيقية لإيقاع اللعب في ملاعبنا، أي أن صوت الُمعلِق أسرع من المباراة نفسها، ويرسم صورة خيالية وليست واقعية، فعندما نقطع صوت المُعلِق نرى المباراة من دون مكياج ونكتشف وجهها الأصلي.
في القنوات الرياضية العربية، هناك معلقون يمتلكون خامات صوتية طربية، لكنهم يستخدمون هذه الخامات للترويج لمواهبهم، أكثر مما يقدمون خدمة للمباريات والمُتفرِج، فعلى سبيل المثال، المكفوفون لا يرون المباريات من خلال التعليق الحالي ولا يعرفون أين موقع الكرة في الملعب ولا في حوزة أي لاعب، لكنهم كانوا يرونها في زمن المعلقين المصري الراحل محمد لطيف والعراقي مؤيد البدري.
التعليق فن التشويق، وما يقوم به المعلقون يدخل في هذا المجال، لكن في بعض الأحيان أو في كثير منها تتحول أصواتهم إلى ضباب يغطي الشاشة، وكذلك يقوم بعض المعلقين بحرمان مستمعي الإذاعة والمكفوفين من مشاهدة المباريات بسبب إغفال تفاصيلها الدقيقة.
من خلال السرد الدقيق، يرى المكفوف ومستمع الإذاعة المباراة، في حين تغيب الكثير من الصور عنهما عندما يركز المعلقون على النقد والتحليل والأمور التي لا علاقة لها بما يجري في الميدان.
هل عاش المُعلِق ومات التعليق؟