بثقة كاملة، وواقعية لا تعرف الأوهام، وبإيمان شديد بأن مساحات الاتفاق أكبر بكثير من فجوات الاختلاف، تعمل السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة، بشكل دائم على تعزيز التعاون والشراكة مع مختلف الدول العظمى والكبرى والمتوسطة والصغيرة.
سر نجاح التوجهات الخارجية الإماراتية
ويعود النجاح الذي يحالف التوجهات الخارجية الإماراتية، إلى أنها تنطلق من يقين راسخ، بأهمية التواصل بين الشعوب، وتعمل وفق إيمان كامل بثوابت وطنية وعربية وإنسانية، وأيضاً من قراءة إماراتية ناضجة، لطبيعة التفاعلات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية التي تمر بها المنطقة والعالم.
وتستفيد الإمارات في هذا من سلة متنوعة الأشكال، من الدبلوماسيات، يأتي في مقدمتها الدبلوماسية الاقتصادية والاستثمارية، بالإضافة إلى الدبلوماسية الإنسانية، التي تقوم على واجب دعم الآخرين، دون النظر لأي خلافات أيدلوجية أو سياسية معهم، وهو ما نص عليه المحور التاسع من المحاور العشرة لمحددات السياسة الإماراتية خلال العقود الخمسة القادمة.
وهناك العديد من الأمثلة على ذلك، لكن أقربها، تقديم الإمارات 36.7 مليون درهم للمساهمة في إعادة تأهيل المناطق التركية التي تأثرت بحرائق الغابات والفيضانات.
وتحرص القيادة الإماراتية، ممثلة في صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة «حفظه الله»، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، على تعزيز المقبولية الإماراتية في كل بقاع العالم، وذلك ترسيخاً للنهج الذي ظل يعمل عليه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه».
التقارب الإماراتي التركي
ووفق هذا المنظور يأتي التقارب الإماراتي التركي، والتحسن المتواصل في العلاقات بين البلدين اللذين يتمتعان بتأثير واضح في صياغة معادلات المنطقة، حيث تقوم السياسة الإماراتية على مجموعة من المحددات، تهدف جميعها إلى دعم الأمن والاستقرار، والشراكة في المنطقة، بما يزيد من مناعة الدولة الوطنية العربية، في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية كافة.
فما هو السياق الإقليمي الذي يشكل رافعة قوية للتقارب الإماراتي التركي؟ وكيف تعمل المنصة الاقتصادية والاستثمارية على التسريع بعودة العلاقات الإماراتية التركية إلى طبيعتها؟
إرادة سياسية مشتركة
ويأتي التحسن الكبير والمتنامي في العلاقات التركية الإماراتية، نتيجة إرادة سياسية مشتركة لدى البلدين، بالاستفادة مما لديهما من إمكانيات سياسية واقتصادية، تجعل من التعاون بينهما نموذجاً في تجاوز خلافات الماضي، وبدء مرحلة جديدة تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
فتركيا تدرك أن الإمارات هي مفتاح الدخول إلى المنطقة العربية، وأن تعزيز العلاقات معها يفتح الباب واسعاً لتطبيع العلاقات العربية- التركية، التي تضررت منذ عام 2011.
ولهذا استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في المجمع الرئاسي في 18 أغسطس الماضي، سمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني للإمارات، وهي الزيارة التي وصفها الدكتور أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات في تغريدة عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» بأنها «زيارة تاريخية»، عندما قال: «اجتماع تاريخي وإيجابي للشيخ طحنون بن زايد، مع فخامة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وكان التعاون والشراكات الاقتصادية المحور الرئيسي للاجتماع، الإمارات مستمرة في بناء الجسور وتوطيد العلاقات، وكما أن أولويات الازدهار والتنمية محرك توجهنا الداخلي، فهي أيضاً قاطرة سياستنا الخارجية».
ومهد ذلك اللقاء، لتلقي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، اتصالاً هاتفياً من الرئيس التركي في 31 أغسطس الماضي، قبل الإعلان رسمياً، الثلاثاء، عن اعتزام سموه القيام بزيارة رسمية إلى الجمهورية التركية، الأربعاء، تلبية لدعوة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
سياق إقليمي
الحرص على مصالح ومقدرات الدول العربية، كان الهدف الدائم للسياسة الخارجية الإماراتية، منذ تأسيسها في 2 ديسمبر 1971، ولهذا يأتي التقارب الإماراتي مع تركيا في سياق إقليمي وعربي، يهدف إلى تبريد الصراعات، وتخفيف التوترات، حيث تشهد المنطقة تقارباً بين مصر وتركيا، بعد أن أجرت القاهرة وأنقرة، جولتين من المفاوضات الاستكشافية، في شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، وأسفرت المفاوضات عن مجموعة من القرارات، لعل أبرزها وقف تركيا برامج إعلامية تحريضية ضد مصر، كانت يطلقها التنظيم الدولي للإخوان من الأراضي التركية. كما قام وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو بزيارة للرياض في 10 مايو، فضلاً عن تأكيد الرئاسة التركية، أنها تسعى لتحسين العلاقة مع المملكة العربية السعودية، وفق ما جاء على لسان إبراهيم كالين المتحدث باسم الرئيس أردوغان، وهو ما قاد لاتصال هاتفي بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود عاهل المملكة العربية السعودية الشقيقة، والرئيس التركي.
آفاق اقتصادية
وينتظر التعاون الإماراتي- التركي، آفاقاً واسعة، خاصة في المجال الاقتصادي والاستثماري، نظراً لما يملكه البلدان من إمكانيات هائلة، حيث تعمل الإمارات وتركيا على تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري، واكتشاف الفرص الاستثمارية في مجالات النقل والصحة والطاقة، بما يحقق المصالح المشتركة بين البلدين، وفق ما نقلت وكالة أنباء الإمارات «وام».
كما استأنفت خطوط طيران الإمارات رحلاتها إلى تركيا، بأكبر طائرة في العالم، ولا تزال الإمارات من أكبر الشركاء التجاريين لتركيا في المنطقة العربية، وتبلغ الاستثمارات الإماراتية في تركيا 4.3 مليار دولار بنهاية 2019، بالإضافة إلى أن حجم الاستثمارات الخليجية في تركيا، وصل عام 2019 إلى نحو 13 مليار دولار حسب جهاز الإحصاء التركي.
المؤكد أن قطار عودة العلاقات الإماراتية مع تركيا قد انطلق، وأن الأيام القادمة ستشهد مزيداً من الخطوات والزيارات، حتى تعود العلاقات بين البلدين إلى كامل مستوياتها التي كانت في السابق.