سامي جولال

الاستفادة من الموارد الطبيعية والأراضي الزراعية، وإنشاء مصانع تقربها من السوق الأفريقية، وتخلصها من القيود التي تفرضها مجموعة من الدول على منتجاتها الصينية، ونشر الثقافة الكونفوشيوسية، وإنشاء البنى التحتية، وبيع الأسلحة، وغيرها، كلها أسباب تجعل الصين مهتمة بالاستثمار في القارة الأفريقية، بحسب خبراء اقتصاديين تحدثوا لـ«الرؤية».

تزايد الاستثمارات

ورغم التأثير السلبي لجائحة «كوفيد-19» على الاقتصاد والتجارة حول العالم، فقد ارتفع حجم الاستثمار الصيني داخل القارة الأفريقية خلال سنة 2020، إذ قُدر بـ2.96 مليار دولار، بزيادة قدرها 9.5% مقارنة مع 2019، بحسب التقرير السنوي للعلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين وأفريقيا لسنة 2021، الصادر في سبتمبر المنصرم.

وبلغ حجم الاستثمار المباشر لدولة الصين في أفريقيا خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، بحسب التقرير نفسه، 2.07 مليار دولار، وهو مبلغ مالي أكبر من ذلك الذي استثمرته الصين في القارة السمراء في الفترة نفسها من سنة 2019.

وكشف التقرير أن الاستثمار الصيني في قطاع الخدمات في القارة الأفريقية قد عرف زيادة كبيرة، بحيث ارتفع الاستثمار، وفق التقرير، في القطاعات الفرعية، كخدمات التكنولوجيا، والنقل، والتخزين، والبحث العلمي، وخدمات البريد، بأكثر من الضعفين.

أخبار ذات صلة

زيادة صادرات الصين من السيارات الكهربائية أكثر من الضعف
الصين تحتاط لفساد أقارب المسؤولين بتوسيع قواعد حكومية

أرباح 2025

وبحسب وكالة «ماكنزي» الأمريكية، فمن المتوقع أن تبلغ قيمة الأرباح المالية، التي تحققها الصين في القارة الأفريقية 440 مليار دولار بحلول سنة 2025. كما كشفت الوكالة نفسها عن أن عدد الشركات الصينية العاملة في أفريقيا يفوق الـ1000 شركة.

أورد التقرير السنوي للعلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين وأفريقيا لسنة 2021، الصادر في سبتمبر الماضي، أنه تم إنشاء 25 منطقة صينية للتعاون الاقتصادي والتجاري في 16 بلداً أفريقياً، وأن تلك المناطق استطاعت، حتى نهاية سنة 2020، جذب 623 شركة، باستثمارات إجمالية تقدر بـ7.35 مليار دولار، وخلقت أزيد من 46 ألف فرصة عمل في الدول الأفريقية المعنية.

وعلى مستوى التجارة الثنائية، فقد استطاعت الصين، في عام 2020، أن تبقى أفضل شريك تجاري لأفريقيا، وهو الوضع الذي ظلت الصين تنتزعه لمدة 12 سنة متتالية.

وبلغت قيمة التجارة الثنائية بين الصين وأفريقيا 187 مليار دولار خلال سنة 2020، و139.1 مليار دولار في الأشهر السبعة الأولى من سنة 2021، بارتفاع قدره 40.5%، مقارنة مع الفترة نفسها من السنة الماضية، بحسب التقرير السنوي للعلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين وأفريقيا لسنة 2021.

وبحسب تقرير لـ«المعهد الأمريكي الصيني للبحوث والمبادرات»، فإن حجم الديون الأفريقية لدى الصين قد بلغ 132 مليار دولار.

أسباب الاهتمام

وعن الأسباب التي دفعت الصين للاهتمام بالاستثمار في القارة الأفريقية، قال الخبير الاقتصادي، الطيب أعيس، إن أفريقيا هي السوق العالمية الواعدة، التي تهتم بها كل الدول والقوى العظمى، وذلك لأن مستقبل الاقتصاد العالمي موجود فيها، خاصة أن كل القارات: أمريكا، وأوروبا، وكثير من دول آسيا، خاصة جنوب شرق آسيا، وغيرها، وصلت إلى مستوى من التطور، ستصبح معه نسبة النمو ضعيفة فيها، بينما أفريقيا لا تزال في بدايتها، إلى جانب أنها تمثل مساحة ضخمة جداً في العالم، وتضم مليارَي نسمة، أغلبهم من الشباب، في حين أن أغلبية سكان القارات الأخرى من الشيوخ.

وأضاف أعيس، في تصريحات خاصة لـ«الرؤية»، أن أفريقيا فيها أراضٍ زراعية خصبة جداً، وغير مستعملة، ما يجعل لها دوراً مهماً في الزراعة وفي تغذية العالم، إضافة إلى أن أغلب المعادن موجودة في أفريقيا؛ من البترول، والذهب، والألماس، والأورانيوم، فضلاً عن المعادن النفيسة، المتوفرة في أفريقيا.

وفي ما يتعلق باستفادة الصين من الاستثمار في أفريقيا، أوضح أعيس أن «تواجدها في أفريقيا هو تواجد جيو-استراتيجي مهم جداً من الناحية السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والثقافية».

وأبرز أعيس أن الصين تريد أن تستفيد من الموارد الطبيعية الأفريقية، ومن الخشب الذي يعد مادة أساسية ومهمة في أفريقيا، التي تزخر بالغابات الاستوائية، وكذا من أراضيها الزراعية، مبيناً أن الصين اشترت مجموعة من الأراضي الزراعية، وتزرع فيها الأرز، والمواد التي تحتاجها، وتُصدِّرها كلها إلى الصين، لتلبية احتياجات سكانها.

إنشاء المصانع

وفي السياق نفسه، أفاد أعيس بأن الصين تؤسس مصانع صينية في أفريقيا، نظراً لارتفاع أسعار اليد العاملة الصينية، وانخفاضها في أفريقيا، فضلاً عن أن تلك المصانع تجعل الصين قريبة من السوق الأفريقية، وهو ما يقلل الكلفة، مردفاً أن إنشاء الصين لتلك المصانع في أفريقيا، سيجنبها العراقيل التي تضعها بعض الدول على المنتجات الصينية، لأنها في هذه الحالة ستعتبر منتجات أفريقية، رغم أنها في الحقيقة صينية.

وبيَّن أعيس أن بسط الصين لسيطرتها على أفريقيا على المستوى الاقتصادي، والفلاحي، والزراعي، يؤدي إلى حدوث تأقلم ثقافي، يجعل الدول الأفريقية تطبع علاقاتها الثقافية مع الصين، التي تهتم بنشر الثقافة الكونفوشيوسية في أفريقيا، من خلال مراكز كونفوشيوس، التي تعلم اللغة والثقافة الصينية.

استفادة عسكرية

وأضاف أعيس أن الصين تستفيد أيضاً على المستوى العسكري، من خلال بيع أسلحتها للدول الأفريقية، خاصة أن الأسلحة الصينية زهيدة الثمن، مبرزاً أن ذلك يؤدي إلى التغلغل الصيني داخل الجيوش الأفريقية، و يتيح للصين ممارسة ضغط على الأنظمة السياسية في أفريقيا، كما يمكن أن يتيح لها في ما بعد، وبسهولة، فتح قواعد عسكرية في أية دولة أفريقية.

البنى التحتية

وفي السياق ذاته، قال أعيس إن الصين تهتم بالاستثمار في البنى التحتية الخاصة بالدول الأفريقية، حيث تُقدِّم تمويلات ضخمة، على شكل قروض أو ديون، بنسب فائدة قليلة جداً، تصل إلى 2%.

وكشف التقرير السنوي للعلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين وأفريقيا لسنة 2021، الصادر في سبتمبر المنصرم، أن القيمة التعاقدية لمشاريع البنية التحتية الموقعة حديثاً بين الصين وأفريقيا، بلغت 67,9 مليار دولار في عام 2020، بزيادة قدرها 21,4% مقارنة مع سنة 2019.

الموانئ الأفريقية

وتأتي الموانئ واحدة من بين البنى التحتية التي تهتم الصين بالاستثمار فيها داخل القارة الأفريقية، سواء على مستوى التمويل، أو البناء، أو التشغيل، في عدة دول منها جيبوتي، وتنزانيا، ومصر، والمغرب، وغيرها.

وفي هذا الجانب، قال الخبير الاقتصادي، عمر الكتاني، إن الصين الآن هي أكبر مصدر في العالم للمواد الاستهلاكية، والسلع، والآلات الإلكترونية، وغيرها، مشيراً إلى أن نقل البضائع الأساسية يتم عن طريق الموانئ، التي تعد أداة استراتيجية للعولمة التجارية.

وأوضح الكتاني، في تصريحات لـ«الرؤية»، أن أغلب الدول الأفريقية فقيرة، ولا تمتلك الإمكانات التي تساعدها على بناء الموانئ هو ما تقوم به الصين بسرعة كبيرة، وبتقنية عالية، وبكلفة أقل بكثير مما يطلبه الأوروبيون.

إيجابيات وسلبيات

وفيما يخص إيجابيات وسلبيات الاستثمارات الصينية في أفريقيا على هذه القارة، قال المحلل الاقتصادي، رشيد ساري، إن دخول الصين إلى أفريقيا لم يأت من أجل استنزاف مجموعة من ثرواتها كما فعل البعض، فالعلاقة بين الصين والدول الأفريقية هي علاقة رابح-رابح، وأن أكبر الاستثمارات الموجودة داخل أفريقيا قامت بها الصين، مبرزاً أن الاستثمارات الصينية في أفريقيا ستُمكِّن من تأهيل العنصر البشري الأفريقي، وستساهم في عملية النمو داخل مجموعة من الدول الأفريقية.

وفي المقابل، بيَّن ساري، في تصريحات لـ«الرؤية»، أن الإشكال الأكبر يَكْمُنُ في أن الصين لا تنقل خبراتها إلى الأفارقة، إذ تستثمر، بحسب ساري، داخل أفريقيا، ولكن بمستواها العلمي، وبكفاءاتها، دون اللجوء إلى الكفاءات الداخلية.

وفي هذا الجانب، أبرز الخبير الاقتصادي، عمر الكتاني، أن الأمر مرتبط بالعقود، وبعدم توفر أفريقيا على مفاوضين أقوياء، مبرزاً أنه عندنا ستتوفر أفريقيا على مفاوضين أقوياء، فستشترط اقتران الاستثمارات الأجنبية بالاستغلال التكنولوجي.

وأوضح المحلل الاقتصادي، رشيد ساري، أن الصين تواجه مشكلة في أفريقيا، تخص استثمارها في بلدان غير آمنة، مردفاً أنه إذا حدثت صراعات داخلية، أو سياسية، أو انقلابات، فيمكن أن تضيع على الصين مجموعة من الأموال، ضارباً المثال بالنموذج السوداني والإثيوبي، الذين تستثمر فيهما الصين، ويعيشان حالياً أزمات داخلية، وعدم استقرار.