مساعٍ حثيثة يُجريها قادة لبنان، على قدم وساق، لاحتواء أزمتهم السياسية مع دول الخليج، قبل أن تلقي بظلالها القاتمة على اقتصاد لبنان المثقل بالديون والمتدهور منذ عامين بفعل أزمات داخلية متتالية.
استقبلت بيروت، الاثنين، وفداً من جامعة الدول العربية، برئاسة حسام زكي، الأمين العام المساعد للجامعة، على أمل التوصل إلى مدخل لحل الأزمة الدبلوماسية القائمة منذ أن أدلى وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي بتصريحات غير مسؤولة حول الملف اليمني ومليشيات الحوثيين الإرهابية.
نزيف الليرة
يقول الخبير الاقتصادي والمالي اللبناني دكتور لويس حبيقة، إنه رغم كل التداعيات الحاصلة، لم يأتِ الأسوأ بعد. وأوضح: «أبعاد الأزمة الاقتصادية التي ستنعكس على لبنان لم تظهر حتى الآن. الأمور ستستغرق بعض الوقت. لم يمر سوى أسبوع تقريباً على قرارات دول الخليج».
وأعلنت دولة الإمارات، والمملكة العربية السعودية، ودولة الكويت، ومملكة البحرين، سحب دبلوماسييها من الجمهورية اللبنانية، كما أوقفت المملكة جميع وارداتها من لبنان.
وأوضح حبيقة لـ«الرؤية»، أن «الاقتصاد اللبناني يعاني منذ فترة بفعل أزمات عدة. ومع تدهور العلاقات مع دول الخليج، فإنه من المؤكد أن الأمور ستتجه إلى الأسوأ، لأن العلاقات ليست فقط مرتبطة بالتجارة، إنما بالتحويلات والسفر، وهو ما سيظهر خلال شهر أو شهرين».
وتخسر الليرة اللبنانية المزيد من قيمتها أمام الدولار الأمريكي، إذ يراوح سعر صرف الدولار بين 20200 و20300 ليرة لكل دولار.
وتحدث حبيقة عن القطاعات المتضررة في لبنان، قائلاً: «التجارة ستتأثر سلباً، وستؤدي بدورها للإضرار بالقطاعات الزراعية والصناعية والخدماتية والسياحة.. لبنان يصدر جميع أنواع الخضراوات والفاكهة كالبرتقال والتفاح والذرة إلى الخليج. كما يعتمد على تصدير الصناعات الغذائية القائمة على المنتجات الغذائية». وأشار إلى «صناعة المجوهرات وصادرات الثياب التي ستتضرر جميعها جراء توقف الواردات اللبنانية إلى المملكة».
الصادرات في خطر
وبحسب موقع غرفة التجارة والصناعة والزراعة اللبنانية، فإن أهم الصادرات اللبنانية إلى دول الخليج هي كالتالي: «مجوهرات، وفواكه وثمار وحمضيات، ومحضرات خضر وثمار وفواكه، وزيوت ومحضرات عطور وتجميل، وخضر ونباتات وجذور ودرنات، وحيوانات حية، ومنتجات الصيدلة، وآلات وأجهزة وأدوات آلية، وأثاث، وآلات وأجهزة كهربائية وأجزاؤها، ولدائن ومصنوعاتها».
ونقلت غرفة التجارة، عن إحصاءات مركز التجارة الدولي ITC، أن «قيمة الصادرات اللبنانية عام 2020 بلغت أكثر من 3.8 مليار دولار، منها 1.04 مليار دولار إلى دول مجلس التعاون الخليجي، ما نسبته 27% من إجمالي الصادرات اللبنانية».
ولا تتوقف التداعيات السلبية على القطاعين الزراعي والصناعي، بل ينسحب التأثير على السياحة. «الخليجيون كانوا يزورون لبنان، ما كان يوفر لنا (فريش دولار) كان يتم إنفاقها في الفنادق والمطاعم»، بحسب حبيقة، الذي أشار إلى أن «الكثير من محال الأزياء التي كان يتردد عليها السياح الخليجيون أغلقت على مدار الأشهر الماضية».
فقر شديد
وعن تحويلات اللبنانيين في الخارج التي ستتأثر بطبيعة الحال، قال الاقتصادي اللبناني إنها «أساسية للاقتصاد المحلي. مع انهيار الليرة، أصبح رقم 200 أو 300 التي قد يتم تحويلها الآن مصدر دخل لعائلة، بينما كانت في الماضي تعد بقشيشاً». وأضاف: «مع وقف الدعم، وغلاء البنزين والمازوت، اللبنانيون اليوم يشعرون بفقرٍ شديد وفي أمس الحاجة إلى تلك التحولات».
وأعرب حبيقة عن أمله في ألا تؤثر الأزمة على حركة الطيران بين لبنان ودول الخليج «لا لاعتبارات مادية فقط وإنما أيضاً لاعتبارات إنسانية وعلاقات روابط اجتماعية».
لكنه أبدى تفاؤله بأنه «سيُجري ترميم الأوضاع» إن عاجلاً أم آجلاً «لأنه لا توجد رغبة لدى غالبية اللبنانيين في أن تسوء الأمور أكثر من ذلك. هناك رغبة.. في بناء ما تدمر».
من جانبه، قال الباحث الاقتصادي اللبناني بروفيسور جاسم عجاقة: إن «عصب السوق الخليجي بالنسبة للبنان هما دولة الإمارات ومملكة السعودية. لبنان ليست لديه أي قدرة على الصمود بدون سوق الخليج».
وأوضح: «نحن بحاجة لمساعدات خارجية. نحتاج إلى مساعدات غذائية. 40% من الشعب في فقر مدقع، أي ينفقون أقل من 1.9 دولار باليوم للشخص الواحد. كما أن 78% من الشعب يعاني من فقر عام. وأكثر من 80% يعانون مما يسمى بفقر متعدد الأبعاد، أي يشمل الوصول للتعليم والمعونات الطبية».
وأضاف عجاقة لـ«الرؤية»: أن «لبنان يصدر إلى كل دول مجلس التعاون الخليجي بما يوازي ملياراً و65 مليون دولار. التعامل مع الخليج جوهري للاقتصاد اللبناني. ببساطة لا تستطيع أن نعيش بدون دول الخليج».
وأوضح: «ثلث الصادرات اللبنانية إلى العالم تذهب إلى الخليج. أمَّا الواردات فلا قيمة لها لأنها ليست بالأمر الصعب. بكل سهولة نستطيع أن نستورد من مكانٍ آخر. لكن الصعب هو التصدير، من غير السهل أن نجد أسواقاً لاستيعاب صادراتنا».
تسييس الأرقام
وقال عجاقة: «عام 2020، صدر لبنان إلى السعودية ما يوازي 220 مليون دولار أو ما يوازي 5.75% من صادرات لبنان، بينما تصدرت الإمارات المرتبة الأولى مع 553 مليون دولار أو ما يشمل 14.5% من صادرات لبنان».
وعن تحويلات المغتربين، قال: «تحتل المملكة المرتبة الأولى مع 1.6 مليار دولار من أصل 7.1 مليار دولار». وتابع: «تبلغ تحويلات المغتربين من الإمارات 255 مليون دولار».
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أنه لا شأن له بالسياسة، لكن «الإشكالية هي أن حتى لغة الأرقام التي تصدرها بعض الجهات أصبح يتم تسييسها». وختم: «عندما أتطلع على أرقام المصادر التي أثق بها، وأرى العلاقة السيئة على المستوى الدبلوماسي، لا يسعني إلا استنتاج أنه يتوجب على الحكومة اللبنانية القيام بما يلزم لحل هذه الأزمة، تجنباً للضرر الكبير الذي سيطال لبنان جراء القطيعة. هذا استنتاج اقتصادي بحت».