تشهد أسعار الشحن البحري ارتفاعاً مستمراً وصل إلى مستويات قياسية، إذ بلغ إلى حدود اليوم 500% على مستوى خط شانغهاي-روتردام، نتيجة «ارتفاع الطلب العالمي على السلع، مقابل نقص في البواخر والحاويات، وارتفاع أسعار الطاقة والتأمين على البواخر، ما أدى إلى وضعية تضخمية كبيرة جداً»، بحسب خبراء اقتصاديين تحدثوا لـ«الرؤية».
وبحسب مؤشر «دروري وورلد كونتينر»، الذي يرصد أسعار الشحن البحري على مستوى 8 خطوط رئيسية؛ وهي شانغهاي-روتردام، وروتردام-شانغهاي، وشانغهاي-جنوة، وشانغهاي-لوس أنجلوس، ولوس أنجلوس-شانغهاي، وشانغهاي-نيويورك، ونيويورك-روتردام، وروتردام-نبويورك، فإن سعر شحن حاوية 40 قدماً من شانغهاي الصينية إلى روتردام الهولندية بلغ 13 ألفاً و798 دولاراً، في حين بلغ السعر من روتردام الهولندية إلى شانغهاي الصينية 1585 دولاراً، و12 ألفاً و693 دولاراً من شانغهاي الصينية إلى جنوة الإيطالية.
وبلغ السعر، استناداً إلى أرقام «دروري وورلد كونتينر»، 9857 دولاراً من شانغهاي الصينية إلى لوس أنجلوس الأمريكية، و1288 دولاراً من لوس أنجلوس الأمريكية إلى شانغهاي الصينية، و12 ألفاً و667 دولاراً من شانغهاي الصينية إلى نيويورك الأمريكية، و1189 دولاراً من نيويورك الأمريكية إلى روتردام الهولندية، بينما بلغ السعر من روتردام الهولندية إلى نيويورك الأمريكية 6123 دولاراً اليوم الخميس.
مقارنة بين 2020 و2021
ومقارنة بعام 2020، فقد ارتفع سعر شحن حاوية 40 قدماً من شانغهاي إلى روتردام بـ522 %، ومن روتردام إلى شانغهاي بـ44 % ومن شانغهاي إلى جنوة بـ373 %، ومن شانغهاي إلى لوس أنجلوس بـ138 %، ومن لوس أنجلوس إلى شانغهاي بـ149%، ومن شانغهاي إلى نيويورك بـ152 %، ومن نيويورك إلى روتردام بـ115 %، ومن روتردام إلى نيويورك بـ204 %، بحسب آخر معطيات قدمها «دروري وورلد كونتينر».
ارتفاع الطلب ونقص البواخر والحاويات
الخبير الاقتصادي، عبدالخالق التهامي، قال إن «أسباب ارتفاع أسعار الشحن البحري بشكل كبير، تَكْمُنُ في ارتفاع الطلب على السلع، ما أدى إلى ارتفاع الطلب على الشحن، في وقت لا تزال فيه مجموعة من البواخر والحاويات عالقة في موانئ دول توقف فيها الإنتاج بسبب كورونا، ولم يتم استئنافه (الإنتاج) إلى الآن».
وأوضح التهامي، في تصريحات خاصة، أنه «لا يمكن لتلك البواخر والحاويات التحرك فارغة بدون سلع نحو الوجهات، التي شهدت استئناف عملية الإنتاج في مرحلة ما بعد «كوفيد-19»، وتحتاج إلى تلك البواخر والحاويات، لأن ذلك سيتسبب للبواخر المذكورة في خسارة كبيرة، نظراً للكلفة العالية التي يتطلبها تحركها من ميناء إلى آخر».
وبيَّن التهامي أن «الحل يتمثل في عودة الوجهات، التي تعلق فيها تلك البواخر والحاويات، إلى نشاطها الإنتاجي الطبيعي، لتستطيع السفن العالقة ومعها الحاويات التحرك من هناك»، مبرزاً أنه «إذا نجح العالم في تجاوز الأزمة الوبائية، فيمكن العودة إلى الحالة الطبيعية بعد سنة أو سنة ونصف».
ارتفاع أسعار الطاقة
وفي سياق متصل، أفاد التهامي بأن «ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً، تسبب أيضاً في ارتفاع كلفة النقل، وذلك إلى جانب عدم توفر البواخر والحاويات».
وضعية تضخمية
وأضاف التهامي أن «ارتفاع أسعار الشحن البحري بشكل كبير، أدى إلى ارتفاع كلفة السلع في الدول، ما نتج عنه وضعية تضخمية كبيرة جداً في عدد كبير من الدول»، مردفاً أن «التدخل لمعالجة هذه الوضعية سيكون صعباً جداً، لأن الأمور ستفلت من يد الحكومات، والبنوك المركزية بالأساس، التي تحافظ على بقاء التضخم في مستوى منخفض، ما سيؤدي إلى انهيار القدرة الشرائية للأسر، وارتفاع نسبة الفقر، في عدد من البلدان».
إنعاش الاقتصاد العالمي
ومن جانبه، قال الخبير الاقتصادي، محمد الشرقي، إن «أغلب دول العالم وضعت ما يسمى بموازنات لدعم وإنعاش الاقتصاد، من خلال ضخ مبالغ مالية ضخمة في اقتصاداتها، لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، ما أدى إلى حدوث ضغط كبير على مستوى طلب السلع، في وقت لم تكن فيه حتَّى الصين مهيئة، ولا الشاحنات والبواخر بشكل خاص متوفرة».
وأضاف الشرقي، في تصريحات خاصة، أن «ذلك أدى إلى رفع الأسعار من قِبل الشركات المصنِّعة، بعدما وجدت أن هناك ارتفاعاً في الطلب، ومن طرف شركات الشحن البحري بعدما أصبحت تعاني نقصاً على مستوى الحاويات، وبعدما رفعت شركات التأمين على البواخر الأسعار، ما نتج عنه التضخم الاقتصادي العالمي، الذي نعيشه اليوم».
وأفاد الشرقي بأن «هذا الوضع سيستمر على الأقل خلال سنة 2022، لأن الطلب العالمي على السلع سيظل مرتفعاً، لأن الأموال التي
ضُخَّت في اقتصادات مجموعة من الدول كبيرة، تتطلب بعض الوقت حتى يستوعبها السوق».
وفي السياق نفسه، أبرز الشرقي أن «المساهم الكبير في ارتفاع أسعار الشحن البحري، هو ارتفاع أسعار الطاقة».
رفع غير مقصود
كما أوضح الشرقي أن «شركات الشحن البحري لا تتفق في ما بينها بشكل مقصود على رفع الأسعار، وإنما تجد نفسها مرغمة على القيام بذلك، نظراً لارتفاع أسعار الطاقة، وكلفة التأمين على البواخر، إضافة إلى أن كل شركة من تلك الشركات تريد أن يكون هامش ربحها هو نفسه الخاص بالشركة المنافسة، ما ينتج عنه أن هامش الربح يكاد يكون متشابهاً بين كل تلك الشركات، دون أن تتفق أو تجلس على طاولة المفاوضات».
هيمنة صينية
وبيَّن الشرقي أن «المسألة التي يجب على العالم التفكير فيها بشكل جدي، هي جعل الإمدادات الصناعية متفرقة على مستوى الخريطة العالمية؛ في منطقة الشرق الأوسط، والخليج العربي، وشمال أفريقيا والبحر المتوسط، ومناطق أخرى»، مردفاً أنه «من بين الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع، هو وجود احتكار على مستوى التصنيع من قِبل الصين، أو ما يسمى اليوم بالعالم الصيني، والذي يشمل تايوان، وهونغ كونغ، والفلبين، وإندونيسيا، وماليزيا، وسنغافورة، وكوريا، ونيوزلندا إلى حد ما».