يَعرِف كوكب الأرض جيداً ظاهرة «التوهج الشمسي»، وينتظرها دوماً كإحدى الظواهر الفلكية المعتادة، لكن يتوقع العلماء أن تكون هذه المرة «قوية»، بما قد يؤدي في الأيام المقبلة إلى حدوث «شفق قطبي» فوق أوروبا وأمريكا الشمالية، يسفر عن قطع في شبكات الإنترنت والملاحة الجوية.
ما الذي يعنيه كل ذلك؟ وكيف سيحدث؟
تقول وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) إن الغازات الموجودة في الشمس تتحرك باستمرار في حالة غليان دائم، ما يولد قدراً كبيراً من «النشاط الشمسي»، الذي تنتج عنه طاقة منبعثة من التوهجات يمكن أن يكون لها عواقب سلبية على جميع الكواكب الموجودة في النظام الشمسي، بما فيها الأرض، إذا زادت حدتها عن المعدل الطبيعي.
ويبرع موقع مجلة «أسترونومي» الأمريكية المتخصصة في علوم وأبحاث الفلك في وصف الظاهرة قائلاً: «الشمس ككرة غاز نارية مغناطيسية للغاية.. يمكن أن تشكل حلقات بلازما ضخمة تسبح في الفضاء بعيداً عن الغلاف الضوئي لسطح الشمس المتوهج. تسمى هذه البلازما نتوءات شمسية Solar Prominence، وتندفع في تجشؤ شمسي عملاق giant Solar belch، أي عملية طرد جماعية يمكن أن تضيء سماء الأرض بما يسمى الشفق القطبي».
الشفق القطبي
إذا ما اقتربت هذه النتوءات أو العواصف الشمسية من الأرض، تبدأ الأغلفة الثلاثة المحيطة بكوكبنا في حمايته، وهي على الترتيب: الغلاف المغناطيسي، ثم الغلاف الأيوني، ثم الغلاف الأرضي. وإذا نجحت العواصف الشمسية في اختراق هذه الأغلفة الواحدة تلو الأخرى، تتسلل في شكل شحنات كهربائية عبر منطقتي القطبين، مُشكلة ظاهرة «الشفق القطبي»، التي يحلو للكثيرين متابعتها بالعين المجردة في المناطق الشمالية القطبية نظراً لأضوائها التي تنير السماء بألوان مبهرة.
والتوهجات الشمسية عبارة عن انفجارات قوية من الإشعاع الضار، الذي لا يؤثر جسدياً على البشر. لكن إذا كانت شديدة بدرجة كافية، يمكن أن تتسبب في اضطرابات، لا سيما إذا ما تسربت إلى «الطبقة التي تنتقل فيها إشارات نظام تحديد المواقع العالمي والاتصالات».
وغالباً ما تتخذ هذه التوهجات شكلاً حلقياً، مشعاً، غازياً، لامعاً، تخرج من سطح الشمس، لتستغرق فترة يوم قبل التشكل كحلقات وهج مستقرة يمكن أن تبقى بارزة لعدة أشهر. لكنها تتغير دورياً كل عدة سنوات. ويرتبط النشاط الشمسي ارتباطاً وثيقاً بحدوث هذه التوهجات الشمسية.
تعطل الملاحة الجوية والإنترنت
تعد هذه التوهجات أمراً شائعاً، كسائر الظواهر الفلكية، وفي العادة تكون غير ملحوظة للبشر. وحده التوهج الشمسي القوي هو ما قد يؤدي لحدوث «فوضى». وتقاس التوهجات الشمسية حسب معيارٍ يراوح من (1 - 5)، بحيث تكون فئة G5 هي الأقوى، وتتكرر هذه الفئة 4 مرات كل 11 عاماً، وهو الطول التقريبي لدورة شمسية واحدة، بحسب موقع «آر تي» الإخباري الروسي.
وربما يصل تأثير التوهج الشمسي - حسب قوته - إلى شبكتي الإنترنت ونظام تحديد المواقع العالمي المعروف بـ«GPS». بل وقد تسفر تلك الفوضى من العواصف الشمسية «الجيومغناطيسية» عن تداخلات مع موجات الراديو، وانقطاع للتيار الكهربائي، وتعطل الملاحة الدولية وحركة الطائرات المعتمدة على «GPS».
ولفت «آر تي» إلى أن الانفجار من سطح الشمس قد يكافئ قوة «تصل إلى 2.5 مليون قنبلة نووية». وأشار إلى أنه خلال الـ200 عام الماضية، حدثت اضطرابات عالمية ناجمة عن عاصفتين شمسيتين، أشهرها «حادثة كارينغتون»، نسبة إلى العالم البريطاني ريتشارد كارينغتون، الذي رصد الظاهرة عام 1859، حينما أضرمت النيران في المعدات الكهربائية، وعلى وجه الخصوص محطات التلغراف (آنذاك) بجميع أنحاء العالم، وشوهدت الأضواء الشمالية في منطقة البحر الكاريبي.
لهذا يصف موقع «تك تايمز» الأمريكي، المعني بتحليل ونشر التقارير التكنولوجية والعلمية، الظاهرة بأنها «وهج شمسي عملاق.. يؤدي لإظلام لاسلكي واسع النطاق».
كيف سنتأثر؟
فإذا كان هذا هو ما جرى نتيجة التوهج الشمسي في منتصف القرن التاسع عشر، فما الذي يمكن أن يحدث لنا اليوم في القرن الواحد العشرين، مع سيطرة التكنولوجيا على كل تفاصيل حياتنا اليومية؟
الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) حذرت من الآتي:
* تعرض بعض أنظمة الشبكات لانهيار كامل أو انقطاع التيار الكهربائي.
* تيارات خطوط الأنابيب يمكن أن تصل إلى مئات الأمبيرات.
* استخدام الراديو عالي التردد قد يكون مستحيلاً في مناطق عدة لمدة يومين.
* تدهور الملاحة عبر الأقمار الصناعية لأيام.
* توقف الملاحة اللاسلكية ذات التردد المنخفض لساعات.
* رحلات الطيران المعتمدة على نظام «GPS» ستواجه صعوبات.
* أضرار هائلة بالاقتصاد.