«علَّمنا الماضي ما يلي: عندما تكون الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على ما يرام تكون الأوضاع في أوروبا أيضاً على ما يرام، وعلى العكس، ترخي الأزمات في تلك المنطقة بظلالها مباشرة على أوروبا»، بهذه العبارات افتتح وزير الخارجية السويسري إغناسيو كاسيس استراتيجية بلاده تجاه الشرق الأوسط في الفترة بين 2021 و2024.
رئيس الدبلوماسية السويسرية، البلد المعروف بـرمز «سياسة الحياد» في العلاقات الدولية، أكد في افتتاحيته للوثيقة التي وُزعت على البعثات الدبلوماسية السويسرية الـ170 الموجودة حول العالم، أن بلاده لا تفضل أن يقتصر الحديث عند التطرق إلى شؤون الشرق الأوسط، على الأزمات فقط، بل يجب أن يشمل الفرص والإمكانات الكبيرة التي تزخر بها دول الإقليم.
وأبرز إغناسيو في معرض حديثه عن الفرص، التطورات التي شهدتها بعض دول المنطقة في مجال الرقمنة، مشيداً بالتقدم التكنولوجي الذي أحرزته دولة الإمارات باعتبارها أول دولة في العالم تفتح جامعة متخصصة في الذكاء الاصطناعي.
وتعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تضم 18 دولة، شريكاً تجارياً أساسياً لسويسرا مع حجم تبادل تجاري تجاوز 31 مليار فرنك سويسري 2019.
وتتثمل أولويات الاستراتيجية السويسرية الجديدة في مواضيع السلام والأمن وحقوق الإنسان والهجرة وحماية الأشخاص المحتاجين والتنمية المستدامة، الاقتصاد والمال والعلوم والرقمنة والتكنولوجيا الحديثة.
وفيما يخص العالم العربي، أكدت الخارجية السويسرية أنه وبعد 10 أعوام من انطلاق ما يُعرف بأحداث الربيع العربي، «خابت آمال إحداث تحول كبير في الحياة السياسية، بل على العكس صارت الآن أعمال القمع والحروب الأهلية والحركات الإرهابية سائدة في عدة بلدان من المنطقة».
ومنذ افتتاحها أول سفارة لها في المنطقة في الأربعينيات في لبنان، لعبت سويسرا دوراً مُحايداً وباتت وسيطاً معتمدا للمساعدة في تجاوز العديد من أزمات المنطقة، وهي تضطلع الآن بـ5 مهام كـ«دولة حامية» في الإقليم.
وترى الاستراتيجية السويسرية أنه ومع أن روسيا والصين تعملان على تعزيز نفوذهما في المنطقة، إلا أنه «من غير المتوقع أن تؤديا دور الشرطي كما فعلت الولايات المتحدة التي نصبت نفسها حارساً للنظام العالمي في هذه المنطقة»، موضحة أن تزايد حالات سوء الفهم وانعدام الثقة فيما بين الدول المختلفة، يُبرز أكثر فأكثر أهمية جهود الشركاء المحايدين مثل سويسرا للحفاظ على قنوات التواصل.
وبخصوص عملية السلام في الشرق الأوسط، أشارت الاستراتيجية إلى أن سويسرا «تعرض مساعيها الحميدة من أجل حوار فلسطيني إسرائيلي، وتشجع الجهات الفاعلة الرئيسية على المشاركة في الحوار مع احترام القانون الدولي».
وإضافة إلى التحديات السياسة، تشهد المنطقة أزمات تتعلق بالتغير المناخي مثل ارتفاع درجات الحرارة والإجهاد المائي وانحسار مساحات الزراعة وما يتبعه من انعدام الأمن الغذائي في بعض الدول.
وتبرز كذلك أزمات ترتبط بالهجرة والنزوح وارتفاع معدل البطالة في الكثير من دول الإقليم، فيما تشكل دول أخرى مقصداً لليد العاملة المهاجرة، حيث يعيش في بلدان الجزيرة العربية أكثر من 30 مليون عامل أجنبي يحولون أكثر من 100 مليار دولار أمريكي سنوياً إلى بلدانهم الأصلية.
تعزيز التعاون مع الإمارات
وفيما كانت سويسرا أول دولة في العالم تؤكد رغبتها في المشاركة في «إكسبو 2020 دبي»، وذلك في أبريل 2016، أبرزت الاستراتيجية السويسرية الجديدة أهمية تعزيز التعاون بين الدولتين بالنسبة لصناع القرار في برن.
وأوضحت الاستراتيجية أن العلاقات مع الإمارات تحظى بمكانة خاصة في سويسرا منذ افتتاح السفارة السويسرية في الدولة عام 1982.
وأشارت الوثيقة الدبلوماسية إلى أن الإمارات مع سعيها لتنويع اقتصادها، تسعى لفرض ذاتها كمركز اقتصادي إقليمي يستقطب المزيد من الشركات والاستثمارات الأجنبية.
ولفتت إلى اهتمام الإمارات بالاستثمار في مركز لتقنيات المستقبل، وسعيها للتموضع كلاعب مهم في ساحة التعاون الدولي.
وفي مجال التعاون بين البلدين، تستخدم سويسرا الأدوات الموجودة لربط معاهد الأبحاث لديها مع معاهد الإمارات، كما تدعم الشركات الناشئة والمنشآت التي ترغب في استعمال التنوع الاقتصادي في الإمارات لإدخال التكنولوجيات الحديثة المطورة في سويسرا وعلى وجه الخصوص تدعم سويسرا مواصلة مشاريع التعلم ما بعد الماجستير لمعهد بوليتكنيك لوزان في الإمارات.