السواد الأعظم من الفقهاء في التاريخ الإسلامي هم أهل التيسير والورع في الفتوى، ولكن ما تم رصده - في حقبة الإرهاب المعاصر - هو الاعتماد على ثلة من علماء التشدد، والذين استهجنوا أن يكون هذا الدين متنوعاً ميسراً، ولم يقفوا إلا على تلك التأويلات المتشددة التي توجد أسباب الخصومة والفرقة.
ما بين الإسلام الحديث والتقليدي هناك جماعة إختطفت الإسلام الحقيقي، فأصبح ملكاً تصرف فتاواه بما يوافق آراء تلك العصبة لا ما اتفق عليه إجماع الفقهاء، أو ما تم قبوله من باب التعدد الفقهي المطلوب من أهل الجماعة وأرباب الورع والزهد.
لا بد من مواجهة ومحاكمة من حاول حجب بطون الكتب الفقهية المتسامحة وطمسها، ومنع التداول والتعريف على مكنوناتها، وتم إقصاء جذور الفكر المتسامح من فقهنا الديني، ليؤصل نوعية من الفكر المتشدد أغلب صفاته هو فقه سد الذرائع، فهذا التراث ليس ديناً أصيلاً كما تم تأصيله، كما أنه ليس مقدساً يجب الالتزام به.
لا نتفاجأ اليوم عندما تتصدر كمية وفيرة من الفتاوى المتسامحة والميسرة، بما هو جائز ومقبول عند السلف الصالح سواء في الفن والجمال والعمران والتنمية والفكر بما يتسع ويشمل بمجملها كل ما خلَّفه بل أغلب ما تركه العلماء المسلمون عبر العصور من مؤلفات في شتى فروع المعرفة الدينية.
الإسلام بمكونه التشريعي يتوافق مع الفطرة الإنسانية والرحمة، فدعونا نسترد عافية الإسلام المتسامح الذي ألِفه فقهاؤهنا، فليس ثمة إسلام جديد نصنعه يقابل الإسلام المتشدد، بل هناك إسلام حقيقي يتم استرداده، وتتم إعادة تشكيله كما كان وكما فهمه السلف الصالح في إطار من الانفتاح والتعددية وقبول واحترام الآخر.