وسط المشهد المضطرب على الأرض في أفغانستان، تتصاعد مشاهد أكثر اضطراباً بشكل موازٍ على الساحة «الافتراضية» تشمل أطرافها حركة طالبان المسيطرة ونشطاء شبكات التواصل الاجتماعي، ومبرمجي وإداريي هذه الشبكات.
فبعد أن كانت شهرتهم تعم أفغانستان، دخل الكثير من نشطاء «التواصل الاجتماعي» الأفغان في سبات منذ إعلان سيطرة طالبان على مقاليد الحكم، وسط حديث عن حملة كبرى من طرف العديد منهم لحذف المحتوى المناهض لأفكار الحركة على حساباتهم.
وسائل إعلام غربية تطرقت إلى حالة فنانين ومؤثرين من أمثال الفنانة أديقا مدادغار (22 عاماً) إحدى نجمات إنستغرام ويوتيوب التي اختفت من شاشات «السوشيال ميديا» منذ سقوط مدينة قندهار، وذلك بعد فيديوهات كانت تعج بالمحتوى الترفيهي مع إشارات قليلة مؤخراً إلى الخوف من «تدمير بلدها».
وكذلك خبيرة الموضة الأفغانية عايدة شاداب التي كانت صورها ومقاطعها على تطبيقات مثل إنستغرام وتيك توك تلقى رواجاً كبيراً بين جيل الأفغان الشباب، والتي أعلنت مؤخراً أنها غادرت إلى تركيا.
كما نشرت المطربة أريانا سعيد صورة سيلفي وهي تستقل طائرة عسكرية أمريكية تغادر أفغانستان.
وكانت القائدة السابقة لفريق كرة القدم النسائية الأفغاني خالدة بوبال قد حثت اللاعبات على حذف حساباتهن على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى محو هوياتهن العامة.
«ساعة آبل»
وبينما عرفت حركة طالبان منذ نشأتها بموقفها المتحفظ تجاه الكثير من أدوات التكنولوجيا الحديثة، أشار خبراء إلى أن الحركة أبانت خلال التطورات الأخيرة عن قدرة على استغلال هذه الأدوات خصوصاً وسائل التواصل الاجتماعي لنشر خطابها ومتابعة معارضيها.
وأشار موقع «لو إكسبريس» الفرنسي في تحليل لمدى استفادة ما وصفه بـ«النسخة الثانية» للحركة أو «طالبان 2.0» من التكنولوجيا الحديثة، إلى صورة متداولة تظهر أحد قادة الحركة وهو يعلق علمها الأبيض بيدٍ تظهر على معصمها «ساعة أبل». وقال الموقع إن الأمر يعكس حجم التغير الذي طرأ على مستوى فهم وتعامل الحركة مع التكنولوجيا.
بدوره، رأى الكاتب الأمريكي تيم كولبان في مقال لـ«بلومبيرغ» أن عناصر الحركة «قرروا اعتناق زخارف القرن الـ21، بدلاً من رفضها»، موضحاً أنهم «انخرطوا في لعبة القط والفأر، المتمثلة في استخدام المواقع الإلكترونية لإعلان مسؤوليتهم عن الهجمات، وتوزيع الرسائل ومقاطع الفيديو قبل إقدام الحكومات الأجنبية على حذف منشوراتهم من الإنترنت»، كما تبنوا مبكراً منصات جعلت مشاركة المعلومات أكثر سهولة مثل يوتيوب، فيسبوك، وتويتر، وتلغرام وواتساب.
نقرة واحدة
وتماشياً مع مخاوف المشاهير ونشطاء المجتمع المدني الأفغان من المحاسبة من طرف طالبان، أعلنت كل من «فيسبوك» و«تويتر» و«لينكد إن» الأسبوع المنصرم أنها اتخذت تدابير لتأمين حسابات الأفغان لحمايتهم من الاستهداف.
وقال ناثانيال جلايشر رئيس السياسة الأمنية في فيسبوك إن الشركة أوقفت مؤقتاً قدرة الأشخاص على مطالعة قوائم حسابات الأصدقاء في أفغانستان أو البحث فيها، كما دشنت الشركة أداة تعمل بنقرة واحدة لتمكين المستخدمين في أفغانستان من تحصين حساباتهم، الأمر الذي يجعل من ليسوا أصدقاءهم على فيسبوك غير قادرين على رؤية منشوراتهم أو تبادل صور ملفاتهم الشخصية.
وعبرت جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان عن قلقها من أن طالبان قد تستخدم المنصات الإلكترونية لتعقب تاريخ الأفغان الرقمي أو روابطهم الاجتماعية.
بدورها، قالت تويتر إنها تعمل مع أرشيف الإنترنت لتسريع الطلبات المباشرة بإزالة التغريدات المخزنة، وأضافت أنه إذا لم يتمكن الأفراد من الوصول لحسابات تخصهم تحوي معلومات يمكن أن تعرضهم للخطر، مثل الرسائل المباشرة أو المتابعين، فإن الشركة قد توقف مؤقتاً هذه الحسابات لحين استعادة المستخدمين القدرة على الدخول إليها وحذف محتواها.
وذكر متحدث باسم (لينكد إن) أن موقع التواصل المهني أخفى مؤقتاً علاقات مستخدميه في أفغانستان كي لا يتسنى لمستخدمين آخرين رؤيتها.