د. مجيب الرحمن

أحياناً تصدمك بعض العناوين لدرجة أنها تشدّك إليها بقوة فتدخلها لتبدأ باكتشافها فوراً، وقد حصل الشيء ذاته عندما تلقّيتُ نسخة من رواية «حانة الست: أم كلثوم تروي قصتها المحجوبة» للروائي والصحفي المصري المخضرم محمد بركة.

الرواية تتخيل أنّ روح أم كلثوم تجسدت للكاتب وجعلته يعيد كتابة قصتها بشكل جديد يظهر ضعفها الإنساني وهشاشتها لتثير تعاطف الأجيال الجديدة على أن يكون السّرد بلسان أم كلثوم.

ويفاجأ الكاتب قرّاءه منذ السطور الأولى حيث تصف أم كلثوم عنقها الغليظ، وكفها الضخم، وانتماءها إلى عائلة الفلاحين المعدمين وقصورها في التعليم؛ يعيد الكاتب الأسطورة إلى صورتها البشرية منذ اللحظة الأولى، وينزع عنها الهالة الملائكيّة ليقدّمها كإنسانة لها حكايات وتجارب، كتعرضها للتنمر في طفولتها وأثر المجتمع الذكوري والعقدة النفسية التي نمت بداخلها وقصص حبها وزيجاتها، ولكن «لا يريد كاتبها أن يفسد صورتها، ولكنه يريد أن يكتشف الإنسانة وراء الأسطورة، يريد أن نراها بكل تفاصيلها، وليس من زاوية ملائكية فقط، بلحظات ضعفها قبل قوتها، ننظر إليها من الداخل، نفساً وعقلاً وعاطفةً، وليس من الخارج فقط»، كما كتب أحد النقاد.

أم كلثوم الملقبة بكوكب الشرق، وسيدة الغناء العربي، ما تزال تتربع على عرش قلوب العرب، ولا أرى من يجاريها في الشرق إلا المغنية «لتا مانغيشكار» التي أبهرت الهنود منذ سبعة عقود بصوتها المخملي العذب، عاشت طول حياتها في هالة من القداسة وحُوِّلت لأسطورة في مصر والوطن العربي، وكان من نصيب الروائي أن يفكّك حياتها كإنسانة لأنّ مصدر عظمة الشخصية عنده لا يكمن في كونها أسطورة بل في وصولها إلى القمة رغم التحديات والظروف الصعبة، فيقدّم لنا تفاصيل حياتها على طريقة الروائيّين الغربيّين أمثال روبرت جريفس، وثوماس مان، وإرفينغ ستون، وسومرست ماوغام في قراءة الشخصيات العظمية.

الرواية مزيج من الحقائق المنسيّة والمعلومات المغيّبة وخيال المؤلف الذي وثّق الجزء المعلوماتي الواقعي بمراجع.

وعلى مستوى عام، فالرّواية محاولة لفهم النفس الإنسانية والمشاعر المتناقضة ما بين الغضب والفرحة، والإحساس بالمعاناة والكبرياء، كما أنّ شخصيّة أم كلثوم مجرد قناع لفهم الإنسان المعاصر بكل جوانب الخير والشر فيه.

أخبار ذات صلة

مزيفون بعمق!
العالم ينقلب


نُشر للروائي محمد بركة (49 عاماً) خمس روايات: «الفضيحة الإيطالية»، و«عشيقات الطفولة»، و«الزائر»، و«أشباح بروكسل»، و«حانة الست»، وله 4 مجموعات قصصية، ونال جائزة أخبار الأدب بحضور الروائي نجيب محفوظ، وعمل مراسلاً لجريدة الأهرام.