يناقش قضية الأم البديلة بمفهوم عصري
قصة المرأة الفقيرة التي يقوم زوجان ثريان عاقران بتأجيرها لتنجب باسمهما طفلاً، قديمة من عمر السينما، ظهرت كثيراً خاصة في سينمات العالم الثالث مثل الهند ومصر وأمريكا اللاتينية.
وبينما نجد بعض الاختلافات التي تتعلق بالثقافة أو الزمن الذي تدور فيه القصة، فإن الأفكار المرتبطة بها تظل ثابتة وهي مناقشة ماهية الأمومة، والطبقية، وطرح السؤال الأبدي: هل المال يمكن أن يشتري البنين؟ وهل يمكن أن يعوض عن فقدانهم؟
يطرح الفيلم الهندي "ميمي" Mimi هذه الأفكار والأسئلة مجدداً، لكن بطريقة عصرية تتناسب مع العقد الثاني من القرن الـ20.
رجل وامرأة أمريكيان يذهبان إلى الهند لشراء «رحم بديل». في الماضي كان الأثرياء يقومون بشراء أو تأجير المرأة الفقيرة كلها كزوجة، لكي تحبل وتنجب ثم تذهب لحال سبيلها ويبقى طفلها ليحمل اسم العائلة الثرية. وفي حالات أخرى يشترون الطفل بعد مولده، ولكن في هذه الحالة لا ينتمي الطفل شرعياً للأسرة التي تشتريه.
مع التطور العلمي في مجال طب الإنجاب ظهر ما يعرف بالرحم البديل، وهو أن يقوم الرجل والمرأة بوضع نطفة طفلهما في رحم امرأة أخرى، وفي هذه الحالة ينتسب الطفل وراثياً وشرعياً لوالديه، وتتم عملية استئجار الرحم في المستشفيات المتخصصة بشكل قانوني.
وهذه هي الصفقة التي تعقدها الفتاة الجميلة ميمي، التي تحلم بأن تكون ممثلة وراقصة في سينما بوليوود، وتحتاج إلى المال لكي تحقق حلمها. أما عراب، أو سمسار، الصفقة فهو سائق يعمل لدى الزوجين يقرر مساعدتهما وإقناع ميمي بقبول الصفقة مقابل مبلغ مالي كبير ينتشلها وأسرتها من هوة الفقر.
يمر كل شيء على ما يرام إلى أن تقترب ساعة ولادة الطفل. ميمي لا تشعر بالارتباط بالطفل الذي تحمله في بطنها لأنه ليس ابنها، وبالتالي تتوق للحظة التي يخرج فيها إلى النور لكي تحصل على بقية أجرها وترتاح من الكذبة التي تعيش فيها (حيث اضطرت إلى الكذب على والديها والتخفي في هيئة امرأة أخرى حتى تمر الشهور التسعة). ما لم يكن في الحسبان هو أن يتخلى الوالدان الحقيقيان عن الطفل عندما يعرفان أنه قد يولد بإعاقة ذهنية جسيمة، ولذلك يسارعان بالفرار تاركين ميمي لتواجه مصيرها وتتخذ قرارها بإجهاض الطفل أو نسبه لنفسها.
تتوالى الأحداث بعد ذلك بطريقة متسارعة حيناً، وبطيئة حيناً، حاملة معها الكثير من التواءات الحبكة والأحداث، لنصل إلى النهاية التي يسعى إليها مؤلف ومخرج الفيلم، والتي تتفق مع رؤية وأفكار الأجيال الشابة من أن الأبوة والأمومة ليستا مرتبطين شرطياً بالنسب والدم، بقدر ما ترتبط بالمشاعر والعقل والترابط الإنساني.
باستثناء بعض الارتباك الذي يسود الجزء الأخير من الفيلم، والمناقشة المتعجلة لبعض الأفكار التي كانت تحتاج لمزيد من الجدية والعمق، فإن فيلم «ميمي» جرعة كبيرة من المشاعر واللحظات الدرامية الدافئة، وهو مصاغ في قالب كوميدي يضفي الابتسامة، والضحك بصوت مرتفع أحياناً، على مدار الفيلم. وبجانب الأفكار السابق ذكرها يناقش «ميمي» من خلال شخصياته الكثيرة الاختلافات الثقافية بين الشرق والغرب، والاختلافات العرقية والدينية، ويعرض صورة متسامحة مثالية تشيع الحب وروح التفاهم في مشاهديه.
ومن أفضل عناصر الفيلم اختيار الممثلين بشكل عام، وعلى رأسهم الجميلة كريتي سانون في دور ميمي، فهي ذات حضور مشع وجاذبية ووجه يدفع للتعاطف معها دائماً. كذلك يبرع بانكاج تريباتي في شخصية السائق بانو، حيث يتراوح دوماً بين الانتهازي الباحث عن المال ورب الأسرة الحنون طيب القلب. على النقيض لا يثير الزوجان الأمريكيان أي تعاطف معهما وتتجسد فيهما صفات الأنانية والجبن.
لا يخلو فيلم هندي بوليوودي من الاستعراضات والغناء، ويبدع المؤلف الموسيقي المعروف أ.ر. رحمان في وضع موسيقى أغانٍ واستعراضات الفيلم بشكل يتناغم مع موضوع ومزاج الفيلم، مبهجة أحياناً، ومحزنة أحياناً، ولكنها شجية وناعمة طوال الوقت.
ومن حسنات الفيلم أنها غير مقحمة على واقعية الصورة، فهناك أغنيتان تؤديهما ميمي مع استعراضات راقصة بحكم عملها، والباقي مضاف فقط على شريط الصوت كموسيقى تصويرية.
فيلم «ميمي» تعرض لمشاكل توزيع بسبب إغلاق دور العرض مع تصاعد وباء «كوفيد 19»، وهو يعرض حالياً على منصة «نتفليكس» التي قامت بشراء حقوق توزيعه.