عصام زكريا

كثيرة هي المسلسلات الخليجية التي تعود في الزمن للحديث عن فترات سياسية واجتماعية فارقة ومفصلية في تاريخنا العربي، وبقدر ما تحمل هذه الأعمال من حنين إلى أزمنة أهدأ بالاً وأكثر أماناً، بقدر ما تبين جذور كثير من المشكلات والقضايا الجدلية التي نعيشها اليوم.

يأخذنا مسلسل «سما عالية» عبر الزمان والمكان في رحلة تمتلئ بالذكريات والأفكار والمشاعر إلى ستينيات القرن الماضي وما بعدها، ليرصد حياة عائلة كويتية تمر بعدد من التغيرات الاجتماعية المتلاحقة. ويركز العمل على حياة نساء هذه العائلة، بداية من «شيخة» (شيماء سليمان) الفتاة البسيطة البريئة التي تنتقل للعيش مع زوجها الشاب راشد (حمد العماني) الذي يدرس بالجامعة في القاهرة، خلال نهاية الستينيات، وتتعرف على عالم جديد تماماً، يعصف بأفكارها وأسلوب حياتها.





المسلسل الذي كتبه صالح النبهان بالمشاركة مع شيخة بن عامر وأخرجه محمد دحام الهمشري يربط بذكاء بين الأحداث الاجتماعية والسياسية والأفراد، وبين الماضي والحاضر، وأجمل ما فيه هو الانتباه للتفاصيل والاهتمام بإبرازها على الشاشة، ليس فقط في الديكورات والملابس وتصفيفات الشعر وغيرها، ولكن أيضاً في العادات والسلوك ولغة الحوار التي كانت تستخدم في الستينيات، والتغيرات التي أصابت كل هذه الأشياء بمرور الوقت.





يركز العمل أيضاً على تأثير هذه المتغيرات على حياة النساء. منذ اللحظة الأولى التي يعود فيها راشد من القاهرة إلى الكويت في إجازة دراسية، يبدو اختلافه واضحاً عن بقية رجال العائلة وأصدقائه، ولكن هذا التغير، أو التطور، الذي طرأ عليه لا يبدو مقلقاً، بل مدعاة لفخر الأسرة بشكل ما. القلق كله يبدأ مع التغير الذي يطرأ على شيخة. إنها تحلم بالقاهرة قبل أن تراها، ومثل الملايين من بنات وشباب العالم العربي، فقد تأثرت بالسينما والأغاني المصرية وبأنماط الحياة المدنية الحديثة. إنها تحلم برؤية فريد الأطرش وعبدالحليم حافظ، وبالجلوس على النيل وأكل الذرة المشوي، وربما تبدو المدنية متعلقة بأشياء صغيرة مثل هذه، ولكن الحقيقة أن هذه التفاصيل تعكس متغيرات أكثر عمقاً و«خطورة»: إنها تعني في مجملها مزيداً من الحرية والقدرة على الاستمتاع بالحياة وقبول الاختلاف والتسامح. يدور الحوار في مشهدين متتاليين بين راشد وصديق له وبين شيخة ونساء أسرتها. في المشهد الأول، بين الرجال، يغلب الحديث عن السياسة والديمقراطية والتعددية، وفي المشهد الثاني، بين النساء، يغلب الحديث عن تأثير المجلات الفنية والنسائية التي تقرؤها شيخة والأغاني العاطفية التي تستمع إليها على عقلها وأخلاقها ومدى تعارض ذلك مع القيم والتقاليد.

أخبار ذات صلة

تدريس إدارة الأموال لتلاميذ الابتدائية في بريطانيا
النحت بقش الأرز.. مهرجان سنوي للفنون من مخلفات الزراعة باليابان



شيخة تتطلع إلى المستقبل


تطوير النظام السياسي وتحرير الأفراد: هذان باختصار هما وجها عملة التقدم الحضاري، ولا يمكن فصل النظام السياسي في بلد ما عن شكل حياة الأفراد في هذا البلد، وخاصة النساء. إنها المعضلة الكبرى التي تواجه المجتمعات العربية منذ عقود، وبقدر كبير من المهارة والذكاء في الكتابة والتفاصيل المرئية يروي «سما عالية» قصة هذه المعضلة المزمنة. ومن خلال أحداثه المتشابكة يمكن أن نرى بوضوح مسيرة هذا الصراع بين الإفراط في التحرر والإفراط في التزمت، والذي ينعكس كأفضل ما يكون على حياة النساء. ويربط العمل بين أحلام الصعود والنهضة وانكساراتها على المستوى السياسي وأحلام النساء وإحباطاتهن بخيط رفيع متين من البراعة في الكتابة والإخراج.

لقطة من المسلسل


يتميز «سما عالية»، بجانب الكتابة والإخراج، في عدد من عناصره الفنية منها التمثيل الذي يجمع بين مخضرمين أصحاب حضور بهي مثل جاسم النبهان وسليمان الياسين وزهرة الخرجي، وممثلين شباب موهوبين مثل شيماء سليمان وحمد العماني وعبدالله التركماني. كذلك يتميز عنصرا الديكور والملابس، اللذان يتغيران بمرور الزمن، ويعبران عن روح كل فترة وعصر.