منذ أسابيع قليلة، استيقظ العالم على خبر بيع عمل فني رقمي بمبلغ هائل اقترب من 70 مليون دولار في دار كريستيز الشهيرة للمزادات. العمل الفني الذي يحمل اسم «كل يوم» من ابتكار الفنان الأمريكي مايك وينكلمان، المعروف باسم «بيبل» وهي عبارة عن 5000 صورة فردية التقطها الفنان على مدار 13 عاماً، وتم بيعها كإحدى القطع الرقمية التي تحمل ما يسمى بالرموز الرقمية غير القابلة للاستبدال.
وعلى الرغم من ظهور تقنية الرموز غير القابلة للاستبدال "NFT" منذ سنوات قليلة، إلا أن لحظة بيع تلك القطعة الفنية تعتبر معلماً تاريخياً يختلف ما بعده كثيراً عما قبله، حيث أصبح للفن الرقمي غير الملموس قيمة مادية تتجاوز في بعض الأحيان القطع الكلاسيكية مرتفعة الثمن. ولكن ما الذي تعنيه تلك التكنولوجيا بالأساس؟
ومن المصطلح نفسه، فإن الرموز غير القابلة للاستبدال تعني أنها فريدة، لا يمكن استبدالها بشيء آخر، فعلى سبيل المثال عملة «بيتكوين» قابلة للاستبدال، عملة مقابل عملة أخرى، وستحصل على نفس القيمة تماماً، أما القطعة الفريدة غير القابلة للاستبدال فإن تبادلها يعني أنك ستحصل على شيء مختلف تماماً.
الأهم من ذلك أن الرموز غير القابلة للاستبدال يمكن الارتباط بأي منتج رقمي، ولكن الكثير من حالات البيع التي وضعت تلك التقنية تحت الضوء تتعلق مباشرة بالأعمال الفنية الرقمية، ويتعامل الكثير من الخبراء الآن مع هذه التقنية باعتبارها التطور الطبيعي لفكرة بيع الأعمال والمجموعات الفنية التقليدية.
المثير في هذا الأمر، أن غالبية تلك القطع الفنية الرقمية متاحة على الإنترنت أمام الجميع، ولكن تكنولوجيا NFT مصممة لمنح المالك شيئاً لا يمكن نسخه، وهي حقوق ملكية العمل، الأمر الذي يمكن مقارنته بالأعمال الفنية العادية، حيث يمكن للآلاف مثلاً شراء نسخة من لوحة للرسام مونيه، ولكن اللوحة الأصلية يملكها شخص واحد، وهو ما يحدث حالياً في عالم الفن الرقمي مع هذه التقنية.
لوحة «كل يوم» الرقمية التي تم بيعها بمبلغ يقترب من 70 مليون دولار، والذي وافقت دار كريستيز على تحصيل قيمتها للمرة الأولى عبر عملة «إيثريوم» المشفرة. لم يكن هو العمل الفني الرقمي الوحيد الذي يباع برقم هائل، حيث قام نفس الفنان الأمريكي «بيبل» من قبل ببيع مقطع فيديو لا يتجاوز 10 ثوانٍ بمبلغ 6.6 مليون دولار كقطعة رقمية فريدة.
ويقدر الخبراء أن سوق الأعمال الرقمية NFT قد تجاوزت حالياً أكثر من 400 مليون دولار من المعاملات خلال الشهور الأولى من العام الحالي، وهو رقم يزيد عدة أضعاف عن العام السابق، ويبدو أنه مرشح للزيادة الكبيرة خاصة مع اتجاه العديد من المشاهير والفنانين وغيرهم إلى تحويل عدد من أعمالهم إلى رموز فريدة وبيعها.
تسمح تقنية NFT للمشترين بدعم المبدعين والفنانين، ولكنها في المقابل تمنحهم مقابلها الحقوق الحصرية، وربما لا يتمكن المشتري من تعليق القطع الرقمية على الحائط في منزله، ولكنه في الوقت نفسه يفتخر باقتناء عمل مشهور لفنان شهير، والأكثر من ذلك أن الأعمال الرقمية الفنية تحولت بالفعل إلى أصل من أصول المضاربة المالية حيث ظهرت العديد من الأسواق التي تساعد على إعادة بيع هذه القطع الرقمية بأسعار أعلى من سعر الشراء، وهو سوق رائج طالما استمرت الضجة المحيطة بهذه الأعمال.
وتعتبر المطربة الكندية الشابة، غريمز، أحدث المشاهير التي تنضم لسباق «الذهب الرقمي» بعد نجاحها في بيع العديد من الأعمال الرقمية بقيمة تجاوزت 6 ملايين دولار، وطرحت الفنانة مجموعة من 10 قطع، البعض منها فريد من نوعه للبيع. بيبل وغريمز ليسا الممثلين الوحيدين الناجحين في هذا المجال، حيث تزداد القائمة يوماً بعد يوم، فمثلاً حقق الفنان صانع فيديو «قطة نايان» ما يقرب من 600 ألف دولار من المبيعات، بينما تمكن الموسيقي الإلكتروني المعروف باسم LAU3 من حصد 11 مليون دولار من مبيعات ألبومه الرقمي والسلع المرتبطة به خلال أسبوع واحد فقط من إطلاقه.
وتقول بوابة «نيفتي» للمبيعات الفنية الرقمية، أن نسبة من مبيعات الفنانة غريمز تذهب إلى منظمة غير ربحية تركز أعمالها على تقليل انبعاثات الكربون في الغلاف الجوي، وربما تهدف هذه التبرعات إلى معالجة واحدة من المشكلات الرئيسية التي تسببها تكنولوجيا بلوك تشين بشكل عام وهي الاستهلاك الكبير للكهرباء.
ويبدو أن بيع الرموز الرقمية الفريدة سوف يتجاوز أفكار الفن والإبداع، حيث عرض الرئيس التنفيذي لشركة تويتر، جاك دورسى أول تغريدة نشرها على المنصة عام 2006 للبيع كرمز فريد، وهو ما حدث بالفعل حيث تم بيع التغريدة مقابل 2.9 مليون دولار.
وحصل المشتري، سينا ستافي، الرئيس التنفيذي لواحدة من شركات تقديم خدمات البلوك تشين على التغريدة موقعة إلكترونياً، وكتب بعد شرائه أقدم تغريدة في التاريخ قائلاً: "هذه ليست مجرد تغريدة، أعتقد أنه بعد سنوات سوف يدرك الناس القيمة الحقيقية لها، مثل لوحة الموناليزا، أما دورسي، فقال إن مبلغ البيع سيتحول إلى عملة البيتكوين الرقمية حيث سيتم إرساله إلى مؤسسة خيرية لمساعدة الفقراء في أفريقيا.