خلال الخمسين عاماً الأولى لتأسيسها، تمكنت دولة الإمارات من تحويل اقتصادها الوطني من اقتصاد بسيط قائم على الزراعة في الواحات، والصيد، وتجارة التمور، واللؤلؤ، إلى واحد من أسرع اقتصادات المنطقة والعالم نمواً، وأكثرها استعداداً للمستقبل القائم على اقتصاد المعرفة والابتكار، ما يؤهلها إلى تحقيق المزيد من القفزات الاقتصادية والتنموية خلال العقود المقبلة.
ورغم أن النفط لعب دوراً كبيراً في تطور ونمو الاقتصاد الإماراتي، إلا أن الرؤية الاستشرافية لقيادة دولة الإمارات، تبنت على مدار عقود خططاً واستراتيجيات متعددة لتنويع الاقتصاد الوطني بعيداً عن تقلبات أسعار النفط، حتى تحولت الدولة إلى مركز مالي عالمي، وعاصمة اقتصادية تتخذها الشركات الدولية الكبرى العاملة في مختلف القطاعات مقراً إقليمياً لها، بالإضافة إلى التنوع السكاني الكبير للدولة التي يقيم ويعمل فيها سكان من أكثر من 200 جنسية في تعايش وتناغم.
والأكثر من ذلك، أن دولة الإمارات بكل ما تمتلكه من موقع جغرافي فريد، ومقومات اقتصادية، وبنية تحتية عالية المستوى، وقوانين وتشريعات محفزه للاستثمار، أصبحت بوابة رئيسية لأسواق يسكنها نحو 3 مليارات نسمة، عبر الاستفادة من خطوط الشحن الجوي التي تربط الدولة بكافة أنحاء العالم، وعبر شبكة الموانئ التي تديرها شركات إماراتية، وتنتشر في قارات العالم، إلى جانب البنية التحتية للمطارات والموانئ في الدولة، والتي تعد بين الأكثر تطوراً في العالم، مدعومة بشبكة خدمات لوجستية متكاملة.
وتواصل دولة الإمارات تدشين قطاعات صناعية جديدة بما يعكس رؤية تؤسس لفكر صناعي رائد للمستقبل، مع التركيز على الصناعات التي تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة وحلول الثورة الصناعية الرابعة، ضمن نهج يقوم على تحفيز الابتكار وتبني التكنولوجيا المتقدمة لتعزيز الإنتاج الصناعي والارتقاء بأداء مختلف القطاعات الاقتصادية في الدولة، وتعزيز توجه الدولة نحو اعتماد التنويع الاقتصادي والاقتصاد المعرفي.
وفي سبيل بناء اقتصاد قوي ومتين، يكون القطاع الصناعي دعامة رئيسية له، إلى جانب القطاعات الحيوية الأخرى كالأمن الغذائي وقطاع الطاقة وقطاع المال والأعمال، بحيث تكون دولة الإمارات مركزاً صناعياً رئيسياً في المنطقة والعالم، معززة تصدرها لمؤشرات التنافسية والازدهار والاستقرار والتنمية المستدامة إقليمياً وعالمياً.
ولم تأت المكانة الاقتصادية المرموقة التي وصلت إليها دولة الإمارات على مستوى المنطقة والعالم من فراغ، بل جاء ذلك بفضل تهيئة البنية التشريعية اللازمة لنمو وازدهار الاقتصاد، عبر قوانين وتشريعات لدعم الأعمال والاستثمارات في شتى المجالات الاقتصادية.
فقد سنت الدولة مع مطلع الألفية الجديدة قانوناً اتحادياً بهدف تنظيم وحماية الملكية الصناعية لبراءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية، كما أصدرت الجهات المعنية حزمة من القرارات والتعاميم لتأطير عملية حوكمة الشركات.
كما اعتمدت حكومة الإمارات قانون الإفلاس بما يحقق التوازن بين مصالح الدائنين في مواجهة المدينين وتمكينهم من الحصول على حقوقهم. ويعد قانون الإعسار حالة قانونية فريدة تعكس ريادة الإطار التشريعي في دولة الإمارات، ومن خلال منح المدين أجلاً لسداد ديونه دون أن يلحق هذا الأجل ضرراً جسيماً بالدائن.
ويشكّل تعديل قانون الشركات الجديد الصادر في العام 2020 الحلقة الأحدث في مسيرة تطوير المناخ التشريعي الاستثماري في الدولة، حيث أتاحت التعديلات لرواد الأعمال والمستثمرين الأجانب إمكانية تأسيس الشركات وتملكها بشكل كامل، كما تم إلغاء الشرط الذي يلزم الشركة الأجنبية التي ترغب في فتح فرع لها داخل الدولة بأن يكون لها وكيل من مواطني الدولة.
ولا يتوقف الأمر عند تهيئة البيئة التشريعية المحفزة للنمو والازدهار الاقتصادي فحسب، بل تحظى دولة الإمارات باستقرار اقتصادي كبير، وبيئة استثمارية واعدة، بسبب الموقع الاستراتيجي، والاحتياطيات المالية القوية، وصناديق الثروة السيادية الكبيرة، والإنفاق الحكومي القوي والمستمر، علاوة على توفير الطاقة بأسعار تنافسية.
وعلى سبيل المثال، فقد تم تخصيص 58 مليار درهم ضمن الموازنة العامة للاتحاد عام 2021 كمصروفات من أجل استكمال المشاريع الوطنية الحيوية، وبلغ الإنفاق على مشروعات التنمية الشاملة والمستدامة بين أعوام 2016 و2017 و2018 نحو 1.277 تريليون درهم.
كما حظي قطاع البنية التحتية والاقتصادية في الدولة بـ 4.5 مليارات درهم من ميزانية 2021، وتقدمت الإمارات 5 مراتب في محور البنية التحتية وحازت على لمركز الـ 28 عالمياً في تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية 2020 الصادر عن مركز التنافسية العالمي التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية بمدينة لوزان السويسرية.
كما جاءت دولة الإمارات في المرتبة الثالثة عالمياً والأولى إقليمياً في قوة الاستثمار في مشاريع البنية التحتية والاستثمار في مرافق المنشآت على مدى السنوات الماضية، وذلك ضمن مؤشر البنى الأساسية 2020، وبالإضافة إلى ذلك نالت دولة الإمارات المرتبة الأولى بقائمة الدول الأفضل في البنية التحتية الإلكترونية على مستوى العالم والمرتبة الـ 31 من حيث جودة الحياة الرقمية في عام 2020.
وتنتشر في أرجاء دولة الإمارات العديد من المناطق الحرة المتخصصة في مجالات المال والأعمال، وتكنولوجيا المعلومات، علاوة على قطاعات الاقتصاد الإبداعي مثل الإعلام والإنتاج الفني. وتسهم المشاريع الصغيرة والمتوسطة بنسبة 62% في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للدولة، وتوظف نحو 85% من القوى العاملة في القطاع الخاص.
وخلال عامي 2017 و2018 تراوحت نسبة النمو فيها بين 5 إلى 7%، كما أصدرت دولة الإمارات مؤخراً حزمة مبادرات لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، شملت تخفيض نسبة العائد الذي تتقاضاه البنوك التجارية من التمويلات المقدمة لأصحاب المشاريع، وخفض الضمانات التي يطلبها البنك، وكذلك تخصيص حصة محددة من التمويلات العامة للمصارف لصالح رواد الأعمال.
كما تواصل دولة الإمارات اتخاذ خطوات متقدمة لدعم وتمكين قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وذلك من خلال تعزيز الشراكة بين مختلف الجهات لتوفير البيئة الحاضنة لريادة الأعمال، والتي كان أبرزها الشراكة الاستراتيجية بين وزارتي الاقتصاد والموارد البشرية والتوطين، والتي تهدف إلى تحقيق أهداف عديدة منها تعزيز دور ريادة الأعمال والعمل الحر.
وكان من الطبيعي في ظل الرؤية الاستشرافية لتعزيز المكانة الاقتصادية الريادية للإمارات أن تتصدر إقليمياً في مؤشرات عالمية وتحظى بأعلى التصنيفات الائتمانية من المؤسسات العالمية المرموقة، إذ حصلت حكومة دولة الإمارات على أعلى تصنيف سيادي في المنطقة Aa2 من وكالة التصنيف الدولية «موديز» مع نظرة مستقرة للاقتصاد الوطني.
كما جاءت الإمارات في المرتبة التاسعة عالمياً بين الدول الأكثر تنافسية، وتصدرت للعام الرابع على التوالي بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية 2020، كما حلت دولة الإمارات في المركز 16 عالمياً في تقرير ممارسة الأعمال الصادر عن البنك الدولي،
واحتلت المركز الأول عربياً للعام السابع على التوالي.
ووفقاً لتقرير مؤسسة «نيو وورلد ويلث»، المتخصصة في أبحاث الثروات ارتفعت ثروات أصحاب الملايين والمليارات في الإمارات بمقدار 45 مليار دولار (165.15 مليار درهم) في النصف الثاني من عام 2020، مسجلة زيادة قدرها 4276 مليونيراً بثروة تزيد على مليون دولار، ومليارديراً واحداً بحلول نهاية ديسمبر 2020.
كما يعيش في الإمارات 87 ألف مليونير، و13 مليارديراً، بثروة إجمالية تبلغ 870 مليار دولار (3.2 تريليون درهم) بنهاية العام الماضي، وذلك صعوداً من 82724 مليونيراً و12 مليارديراً، كما انتقل أكثر من 4500 من الأثرياء للإقامة والعيش في الإمارات بين عامي 2000 و2020.
وتعتبر الإمارات أكبر مركز لإدارة الثروات في المنطقة بأصول تبلغ حوالي 110 مليارات دولار، يعود ذلك بشكل رئيسي إلى كونها أكبر ملاذ آمن بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع امتلاكها لاقتصاد متقدم، ونظام رعاية صحية من الدرجة الأولى، ومعدلات ضريبية منخفضة، فضلاً عن أنها مركز أعمال دولي، مما يجعلها وجهة مثالية لأصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين من كل أنحاء العالم.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ تقدم دولة الإمارات حزماً متكاملة من التسهيلات لتحفيز النمو والازدهار الاقتصادي، انطلاقاً من كون الإمارات عاصمة اقتصادية في المنطقة وبيئة مثالية لاحتضان مختلف الأنشطة الاقتصادية وممارسة الأعمال، ويتمتع الاقتصاد الإماراتي بمنظومة دعم استثنائية تعزز جاذبيته لاستقطاب المواهب والخبرات وأصحاب المشاريع الاقتصادية الطموحة من داخل الدولة وخارجها.
إذ تتمتع الدولة باستقرار اقتصادي كبير وبيئة اقتصادية واعدة، وتتوفر فيها مصادر الطاقة التقليدية والحيوية المطلوبة لكافة الأنشطة الاقتصادية، كما تمتلك بنية تحتية ورقمية متقدمة في النقل والاتصالات والخدمات، هي الأفضل والأكثر تكاملاً في المنطقة، وهناك 21 منطقة صناعية حرة موزعة على مختلف مناطق الدولة، كما صنفت دولة الإمارات ضمن نادي الأوائل عالمياً في أهم مؤشرات التنافسية الخاصة بالقطاع الاقتصادي وممارسة الأعمال للعام 2020.
كما تمتلك الدولة منظومة نقل بري وبحري وجوي هي الأكثر كفاءة والأوسع نطاقاً جغرافياً على مستوى المنطقة، والأسرع وصولاً إلى أي مكان في العالم، كما توفر الدولة مزايا غير مسبوقة في المنطقة والعالم العربي للإقامة والجنسية وخاصة للمستثمرين والمبدعين والمبتكرين والخبراء وأصحاب المواهب العلمية، وعائلاتهم.