يعتمد فيلم الساحرات The Witches ، المعروض حالياً في العديد من دور السينما العربية والعالمية، على فرضية مبدئية يبدأ بها الأديب رولد دال روايته الصادرة عام 1983، والتي اقتُبس منها الفيلم.
الفرضية هي أن الساحرات موجودات، وأنهن ينتشرن في كل مكان في هيئة نساء عاديات، يعملن بكل المهن، وأنهن يكرهن الأطفال ويحاولن القضاء على كل أطفال العالم.
يبذل المخرج روبرت زيميكس، صاحب الأفلام الشهيرة التي تعتمد على المؤثرات الخاصة، جهداً كبيراً طوال الدقائق الأولى من فيلمه لإقناع المشاهدين، خاصة الأطفال منهم، بهذه الفرضية، والتي بذل فيها دال عدة صفحات من روايته لإثباتها، كما بذل المخرج البريطاني نيكولاس رويج جهداً مماثلاً في فيلمه الذي يحمل الاسم نفسه، الصادر عام 1990.
حسب علم النفس، ترمز «الساحرة» إلى صورة الأم المخيفة في ذهن الطفل، «أمنا الغولة» وفقاً للفلكلور العربي، أو «الساحرة الشريرة» ذات الرداء الأسود والقبعة المدببة التي تطير بالمقشات، في الفلكلور الغربي.
يحمل فيلم «الساحرات» خوفاً مريعاً من صورة الأم الشريرة، التي تقوم بابتلاع أطفالها أو قتلهم أو تقزيمهم ومسخهم (بتحويلهم إلى فئران صغيرة وفقاً للرواية والفيلم)، وهذا الخوف يتم تغطيته ببعض الحيل الدرامية المعروفة: الأم الطيبة ماتت والبطل يتيم، مثل معظم قصص الأطفال (!)، والمرأة الطيبة هنا هي الجدة التي تتبنى حفيدها وترعاه وتحميه من الساحرات.
في الواقع هي التي تروي له الحكايات المخيفة كل ليلة عن الساحرات، فتثير خوفه الكامن، وخيالاته التي تصبح أول فقرة فيها هي موت والديه في حادث سيارة.
وبجانب البطل الذي لا يحمل اسماً، هناك طفلان آخران حولتهما الساحرات الشريرات إلى فأرين، الأول لديه علاقة سيئة بوالديه، وخاصة أمه المهمِلة التي تؤنبه طوال الوقت، والثانية يتيمة مثل البطل.
في مقابل الأمهات الطيبات الغائبات والأمهات المهملات الضعيفات، تسيطر على المشهد صور الأمهات المخيفات، الساحرات.
وتتجلى هذه الفكرة من خلال عنوان المؤتمر الذي تعقده الساحرات وهو «مكافحة معاملة الأبوين القاسية ضد الأطفال» في قالب ساخر لصورتهن الأصلية كأمهات قاسيات يخفن الأطفال.
تتفنن آن هيثاوي في لعب دور ملكة الساحرات الشريرات بطريقة تجمد الدم في الأوصال، وهيثاوي ممثلة موهوبة، شجاعة، إذ تقبل أداء هذا الدور المخيف، الذي يشوه جمالها ورقتها، إذ تضع نفسها في مقارنة مع العظيمة أنجيلكا هوستون التي لعبت الدور نفسه في نسخة 1990.
نسخة 2020 تختلف عن النسخة القديمة والرواية في عدة أشياء، لكن أهم هذه الاختلافات هو تحويل البطل وجدته إلى أمريكيين إفريقيين.
في كل من الرواية وفيلم نيكولاس رويج، البطل وجدته بريطانيان أبيضان، وحكاية الساحرات تبدأ في النرويج، الاسكندنافية، هذا الشمال الأوروبي البارد الذي ظهرت فيه الأساطير المتعلقة بالساحرات. في الحقيقة التاريخية، ظهرت أساطير الساحرات للتغطية على عمليات إبادة كاهنات الديانات الوثنية بعد دخول المسيحية إلى أوروبا!
في النسخة الأمريكية الحديثة، البطل وجدته أمريكيان إفريقيان والساحرات بيضاوات، أو للدقة معظمهن، حتى لا يقع الفيلم في عنصرية مضادة، ومصدر الخطر يأتي من البيض، الأثرياء، الذين يتسم سلوكهم غالباً بالعجرفة والضعف والحماقة.
ويعطي هذا التغيير اللافت للانتباه للفيلم معاني أخرى سياسية وثقافية تختلف عن البعد النفسي الأنثروبولوجي للفكرة الأصلية: الساحرات لا يصبحن تعبيراً عن الخوف الكامن من سيطرة الأم القاسية، أو الطبيعة الأم التي تبتلع أبناءها، ولكن تعبيراً أكثر عن الاستعمار الأبيض الذي يستعبد الفقراء والمهمشين والضعاف، كما تقول الجدة أوكتافيا سبنسر لحفيدها، وتصبح الساحرة الكبيرة هنا تجسيداً لأوروبا وأمريكا والمستعمرين بشكل عام.
وتتفق هذه الرؤية مع حركات «التصحيح السياسي» الرائجة في الغرب هذه الأيام لإعادة الاعتبار للملونين والمثليين والمهمشين بشكل عام.
ويستغل روبرت زيمكس إمكاناته الكبيرة في مجال المؤثرات لإنجاز عمل خيالي جذاب عن فكرة عميقة جادة، وفي الوقت نفسه مقبول للأطفال، الجمهور الأساسي المستهدف من هذا الفيلم.