أصبح لبنان على موعد يومي مع «عدّاد كورونا»، ففي هذا البلد الصغير -الذي يعاني من أزمة اقتصادية حادة- ترتفع إصابات فيروس كورونا بمعدل يومي مقلق يناهز 2000 حالة، الأمر الذي يشكل خطراً داهماً في ظل امتلاء المستشفيات بالمصابين، والشح المستمر في المستلزمات الطبية.
وفي وقت تقدم النائب بلال عبدالله بإخبار إلى النيابة العامة التمييزية (رأس النيابات العامة في لبنان) ضد الدولة ومؤسساتها «بسبب التقصير في التعاطي مع جائحة كورونا»، كان وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي، قرر الإقفال التام لـ115 بلدة وقرية، والعودة إلى منع التجول من 9 ليلاً إلى 5 فجراً، بناء على توصيات لجنة كورونا وموافقة وزارة الصحة.
وعلى خط الأزمة الصحية التي يمر بها لبنان ارتفعت أصوات تدعو إلى الإقفال التام، إذ إن البلد يحتاج إلى إجراءات أكثر تشدداً بعد تمدد الوباء واستفحاله في كل المناطق اللبنانية، وهو ما دفع وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن، إلى القول «إننا أمام منعطف خطير جداً، وقاربنا المشهد الكارثي» داعياً إلى أن «يتكامل التعامل المسؤول فيما بيننا، وأن يعترف مجتمعنا بأننا في خطر، ونأخذ قرارات شجاعة على مستوى الحكومة».
خياران أحلاهما مر
رئيس لجنة الصحة النيابية، النائب عاصم عراجي، يرى عبر «الرؤية» أن لبنان اليوم أصبح في سيناريو مشابه للمشهد الإيطالي مع بداية تفشي جائحة كورونا.
ومع تأكيده على ضرورة «الإقفال التام لمدة 15 يوماً على الأقل حتى شفاء المرضى ومعالجة مصابين جدد» أسف لفقدان المستشفيات قدرتها الاستيعابية لاستقبال مرضى كورونا، مشيراً إلى أن القطاع الصحي أصبح على شفير الانهيار، ومن الضروري إراحة طاقمه من الأطباء والممرضين الذين تجاوز عدد المصابين بين صفوفهم منذ بداية الأزمة 2000 مصاب».
وبينما يتخوف عراجي من وصول القطاع الصحي إلى مرحلة يفاضل فيها بين مصاب وآخر نتيجة فقدان الأسرّة وفقدان المستلزمات الطبية يقول للهيئات الاقتصادية الرافضة لقرار الإقفال في ظل الأزمة المالية الخانقة التي يعيشها لبنان إنه «لا أحد يستطيع تحمل تفشي الوباء ورؤية الناس يموتون على الطرقات، لا الجسم الطبي، ولا القطاع الصحي، فالمرحلة الآن هي المفاضلة بين مرّين».
الإقفال يتطلب تخطيطاً اقتصادياً
لا تختلف مستشارة رئيس حكومة تصريف الأعمال للأمور الصحية، بترا خوري، مع عراجي في أن الإقفال العام يشكل الحل الأسرع للحد من انتشار الوباء، إلا أنها تؤكد أن «قرار الإقفال يجب أن يكون مستنداً إلى دراسة قوامها الوضعان الصحي الاقتصادي».
وفيما توضح خوري أن كل الدول التي أقفلت بشكل كامل كان لديها تخطيط اقتصادي، تلفت إلى أنه في بلد يعاني من أزمة مالية وخانقة، و65% من القوى العاملة فيه تكسب قوتها بشكل يومي، ربما يساهم الإقفال الكلي في مفاقمة الأزمات المعيشية.
التصدي للجائحة عملية تشاركية
على الجانب الاقتصادي والاجتماعي، يوصّف رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي اللبناني شارل عربيد الحالة التي فرضتها جائحة كورونا، بأنها معضلة كبيرة للبنان، وأي قرار سيكون له ارتداداته على كل القطاعات.
وفيما يشير عربيد إلى أن «الإقفال الجزئي لم يكن مجدياً» يرى أن «القرارات الرسمية المتخذة حتى الآن هي ردة فعل، ولم تكن وفق خطة ممنهجة».
عربيد الذي يؤكد أنه «في حال اتُّخذ القرار بالإقفال العام، فالأمر يتطلب القيام بعملية تشاركية بين الدولة وأجهزتها من جهة، وكل القطاعات الإنتاجية من جهة أخرى». ويكشف لـ«الرؤية» أنه «يعمل على لقاء بين وزيري الصحة والداخلية من جهة، والقطاعات الإنتاجية من جهة أخرى للوقوف على هذا الأمر بشكل علمي ومنهجي».
تحذير اقتصادي
أعلن تجمع الهيئات الاقتصادية رفضه المطلق «لأي قرار يمكن أن تتّخذه الحكومة بإقفال البلد بشكل تام لمواجهة تفشي فيروس كورونا»، محذّرة من انعكاسات سلبية هائلة لإغلاق القطاع الخاص.
و أكدت الهيئات الاقتصادية، وهي تجمّع لأصحاب الشركات ورجال الأعمال، أن «صحة المواطن اللبناني وسلامته تبقى لها الأولوية القصوى»، مشددة في الوقت نفسه على ضرورة القيام بدراسة متأنية للإجراءات التي سيتم اتخاذها لمواجهة الوباء، خاصة في ظل الظروف القاسية التي يمرّ بها لبنان واقتصاده الوطني، محذّرة من أن «أي قرار غير متوازن ستكون له تداعيات خطيرة لا تحمد عقباها».
ولفتت -في بيان أصدرته عقب اجتماع لها يوم الاثنين- إلى أن «كل دول العالم التي قرّرت الإقفال العام واكبته بإجراءات لدعم المؤسسات والعاملين فيها والأسَر المعوزة، وهو ما لم يحدث في لبنان عند أول قرار بالإقفال العام، ومن الواضح أنه لن يحصل الآن مع تعمّق تعثّر الدولة».
واعتبرت الهيئات الاقتصادية أن «اتخاذ قرار الإقفال العام في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية التي يمرّ بها لبنان، هو بمثابة خطيئة مدوّية بحق مختلف القطاعات ومؤسساتها، من تجارة وصناعة وسياحة وزراعة وخدمات وغيرها»، مؤكدة «التزام المؤسسات بشروط السلامة والوقاية، واستعدادها التام لتنفيذ أي إجراءات جديدة».
وأشارت إلى أن رفضها لأي توجّه للإقفال العام، «هو من باب المسؤولية الوطنية للحفاظ على ما تبقى من اقتصاد ومؤسسات ووظائف اللبنانيين، وليس من أجل أي أمر آخر».