أثارت تصريحات وتلميحات صدرت عن قيادات فلسطينية أثناء الاجتماع الأخير للأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، موجة غضب عربية عارمة، وسط تساؤلات عن توقيت عقد الاجتماع والهدف من الإساءة المتعمدة فيه لدول بعينها، ونقاشه لكل شيء «عدا ما يهم المواطن الفلسطيني العادي».
وتتالت البيانات والردود والتغريدات المنتقدة للتصريحات التي انطلقت من حناجر بعض القادة في المؤتمر، خصوصاً تلك التي اتخذت من الإساءة لشعوب ودول عربية موضوعاً، ومن التحريض والاستهداف عنواناً لها، وندد المئات من رواد التواصل الاجتماعي بمزايدات من وصفوا بـ«ملوك الطوائف»، مشيرين إلى انزلاق الوضع الفلسطيني نحو مزيد من التردي السنوات الأخيرة نتيجة تهم الفساد والتآمر والفشل الإداري التي تحاصر أغلب المشاركين في المؤتمر الذي عقد الخميس 3 سبتمبر 2020.
«لغة التحريض والتهديد»
وضمن أحدث ردود الفعل، أعرب الدكتور نايف فلاح مبارك الحجرف، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، عن استنكاره لما صدر من بعض المشاركين في اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية من لغة التحريض والتهديد غير المسؤولة تجاه دول مجلس التعاون.
واستهجن الأمين العام ما ذكر من مغالطات وتشكيك بمواقف دول المجلس التاريخية الداعمة للحق الفلسطيني، مطالباً القيادات الفلسطينية المسؤولة، التي شاركت في هذا الاجتماع، وعلى رأسها محمود عباس، رئيس دولة فلسطين، بالاعتذار عن هذه التجاوزات والتصريحات الاستفزازية والمغلوطة والتي تتنافى مع واقع وتاريخ العلاقات بين دول المجلس والشعب الفلسطيني، خصوصاً أن وقائع الاجتماع قد تم بثها على قنوات التلفزيون الرسمي الفلسطيني، الأمر الذي يستوجب اعتذاراً رسمياً عن تلك الإساءات والتحريض والتشكيك التي أوردها بعض المشاركين بحق مواقف دول المجلس وشعوبها الداعمة للقضية الفلسطينية.
وأكد الأمين العام أن مواقف دول المجلس الداعمة للفلسطينيين على مر التاريخ غير قابلة للتشكيك والمزايدة، فتاريخها يشهد بتلك المواقف الراسخة والداعمة بعيداً عن المتاجرة بالقضية الفلسطينية، مضيفاً «لن يضرها ما صدر من تصريحات غير مسؤولة من بعض ممن عانت القضية الفلسطينية منهم ومن مواقفهم المتاجرة بها عبر تاريخهم، والتي ألحقت بالقضية الفلسطينية الضرر والانقسام».
تجار القضية
وتحت وسوم وعناوين من قبيل «تجار القضية يسيئون للخليج» أمطر كتاب موقع «تويتر» بسيل من التغريدات حللت أسباب هجوم بعض القادة الفلسطينيين على دول مجلس التعاون الخليجي، وخفايا علاقاتهم ببلدان ومنظمات تناصب هذه الدول العداء علناً.
وحظي محمود عباس أبومازن بوابل من الردود بعد تلميحات اعتبرت مسيئة وردت في تصريحه في المؤتمر الفصائلي، حيث أشار مغردون إلى «عدم أهليته» للحديث عن إصلاح الوضع الفلسطيني في ظل جملة تهم بالفساد والمحسوبية والفشل الإداري ظلت تلاحقه في السنوات الأخيرة.
وواجه عباس وعدد من قادة السلطة اتهامات بالكسب غير المشروع وإساءة استخدام أموال الشعب الفلسطيني لصالح أبنائهم وأفراد عائلاتهم، وسبق لمجلة فورين بوليسي الأمريكية أن نشرت تقريراً عام 2012، سلط الضوء على ثراء نجلي الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ياسر وطارق بشكل مثير للاهتمام.
«صاعقة الوقاحة»
وحاصرت سهام النقد والإدانة مندوب منظمة الصاعقة معين حامد، الذي أثارت تصريحات صدرت عنه ووصفت بـ«الوقحة» عاصفة انتقادات تجاوزت التواصل الاجتماعي لتصل إلى أبناء الجاليات في الخارج، حيث أعربت الجالية الفلسطينية في الإمارات عن صدمتها واستنكارها العميق لحملات الإساءات والتحريض المستمرة، والتي مثلت هذه التصريحات أحدثها، وفق بيان صادر الأحد.
وشدد نادي الصداقة الإماراتي الفلسطيني، على أن مثل تلك المواقف المنحرفة، التي تصدر تحت غطاء اجتماع للقيادة الفلسطينية، إنما تستهدف استقرار ومصالح عموم الجاليات الفلسطينية في دول الخليج العربي الشقيقة.
لماذا الآن؟
وأوضح كتاب ومغردون أن انعقاد الاجتماع في هذا الوقت في ظل عدم عقد أي لقاء بين القيادات المشاركة فيه منذ سنوات طويلة والهجوم الشرس الذي شنته القيادات على دول عربية عرفت بمساعداتها السخية للفلسطينيين ودفاعها المستميت عن قضيتهم تاريخياً، يثير الكثير من التساؤل حول انحراف مسار القيادة الفلسطينية عن جادة الصواب.
ووصف مغردون بعض الوجوه القيادية في المشهد السياسي الفلسطيني الحالية بـ«نكبة الشعب الفلسطيني الحقيقية».
غياب الشرعية
بدورهم، أشار كُتَّاب إلى أن المؤتمر تحدث عن كل شيء عدا ما يهم الشعب الفلسطيني في حياته اليومية وإدارة شؤونه وتمثيله، مشيرين إلى عدم تمخض المؤتمر عن أي قرار حول أي من القضايا الأساسية العالقة منذ سنوات وذات الأولوية بالنسبة للفلسطينيين.
ولفتوا في هذا الإطار، إلى غياب نقاط أساسية عن النقاش في المؤتمر مثل تنظيم الانتخابات الذي يعد مطلباً جماهيرياً، ملمحين إلى أن السبب يتعلق بأزمة شرعية تضرب صميم النظام القائم حالياً والذي تسيطر عليه حركات وقيادات لا تتمتع بشعبية كبيرة ولا ترضى بحكم الشارع لإقامة نظام ديمقراطي شفاف.