بلغة واضحة، ومباشرة وشفافة، كتلك التي يتم التحدث بها مع الأهل والأصدقاء، خاطب سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، الجالية الفلسطينية في الإمارات، مثمناً الدور الإيجابي لأبنائها، الذين شاركوا في نهضة البلاد، وهو بذلك، أراد بعث رسائل إيجابية، تطمئن الفلسطينيين، أن دولة الإمارات ستبقى «كما كانت دائماً الحاضنة الأمينة لكم و لأسركم».
وزير الخارجية الإماراتي أراد التفريق بين موقفين: إنساني، وسياسي، فالفلسطينيون تربطهم بالإماراتيين علاقات «أخوية»، كان ثمرتها «قصص نجاح كبيرة»، وهذه الإنجازات يجب الحفاظ عليها، ومراكمتها، وعدم جعلها عرضة للتأثيرات السياسية أو بعض المواقف المتشنجة لرهطٍ من القيادات الفلسطينية أو المغردين، الذين كالَ بعضهم «الشتائم» والعبارات غير اللائقة تجاه الإماراتيين وقيادتهم، بسبب قرار أبوظبي إقامة علاقات دبلوماسية مع تل أبيب، وهو القرار الذي وصفه سمو الشيخ عبدالله بن زايد بـ«القرار السيادي من أجل السلام والمستقبل».
الإمارات بذلك، تضع خطاً فاصلاً بين علاقات إنسانية يجب أن تستمر، وموقف سيادي هو حق لها، ترفض أن يتدخل أحدٌ في شؤونها الداخلية، وعلاقاتها الدولية، التي تبنى وفق ما تراه متوافقاً مع مصالحها الوطنية وأمنها القومي.
فالعلاقات الإماراتية - الإسرائيلية، لن تغير قناعة القيادة السياسية الإماراتية بأهمية قيام دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، وستستمر في دعم القضية الفلسطينية على خطى الدعم التاريخي الذي قدمته الإمارات.
أبوظبي من خلال هذا الموقف، تتجاوز ردات الفعل، وتتخطى الاشتباك الكلامي مع القيادات الفلسطينية، سواء في الضفة الغربية أو غزة؛ وهي بذلك تفتحُ كوة في الجدار، من أجل دفع هذه القيادات لاجتراح آلية تفكير جديدة، وتجديد دمائها، والخروج من المربع القديم، لأن هنالك حقائق جديدة على الأرض، وجموداً في عملية السلام، وتغيرات سياسية كبيرة في الشرق الأوسط، أتت نتيجة التصدعات في بنية النظام السياسي العربي، والحروب الأهلية في أكثر من دولة، وأيضاً الخلافات الحادة مع النظامين الإيراني والتركي، وتصاعد دور الميليشيات المسلحة على تنوعاتها المختلفة، وحركات الإسلام السياسي، والتنظيمات العنيفة، سواء الإرهابية منها، أو تشكيلات الجريمة المنظمة.
من جهة أخرى، فإن كلمة سمو الشيخ عبدالله بن زايد، من شأنها أن تخفف حدة السجال الذي دار في وسائل التواصل الاجتماعي، وانحدر فيه النقاش بين مجموعات مؤيدة وأخرى معارضة للعلاقات الإماراتية - الإسرائيلية، إلى مستويات غير لائقة أدبياً، تم تراشق تهم التخوين والعمالة، بطرق فجة عنصرية، وهو التراشق الذي يعمق الهوة، عوض أن يكون دافعاً نحو نقاشات علمية، تحليلية، تأملية، تنحو جهة السؤال السياسي العقلاني.
إن العلاقات العربية– العربية، يجب أن تصاغ وفق رؤية واقعية، تحترم سيادة الدول، وتراعي مصالح كل كيان، وفي الوقت ذاته تبني تحالفات استراتيجية قابلة للتحقق، قوامها الاقتصاد والعلم والتقنية، وبناء مجتمعات مدنية حديثة يسودها القانون، تخرجُ من «عاطفية الشعار» إلى الإنجاز وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتوفير حياة كريمة حرة للجميع.