في يوم 2 مارس الماضي، هبطت طائرة عسكرية إماراتية، في مطار الإمام الخميني بالعاصمة الإيرانية طهران، حاملة 8 أطنان من الأدوية ومعدات الفحص الطبي، كمساعدة مقدمة إلى الشعب الإيراني في مواجهة فيروس كورونا.
وفي الـ15 من مارس اتصل وزير الخارجية الإماراتي سمو الشيخ عبدالله بن زايد، بوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، معرباً عن دعم حكومته لـ«الشعب الإيراني لتخطي هذه المحنة»، ومؤكداً على «أهمية العمل الجماعي المشترك وتضافر الجهود، من أجل التغلب على مثل هذه التحديات العالمية».
الخطوة الإماراتية التي فاجأت الكثيرين، حينها، ولقيت إشادة من مؤسسات صحفية عدة أوروبية وأمريكية، لم تكن خارج سياق الدبلوماسية التي تعتمدها أبوظبي، والقائمة على أهمية التعاضد الإنساني من أجل تجاوز الأزمات.
الإمارات تختلف بشكل واضح وصريح مع إيران في ملفات عدة: الجزر المحتلة، اليمن، الميليشيات المسلحة في العراق وسوريا ولبنان، النفوذ في دول الجوار العربي؛ وهي لم تغير موقفها الذي يدعو طهران للكف عن السياسات التي من شأنها إثارة النزاعات ودفع الخليج نحو مزيد من التوتر، إلا أن القيادة الإماراتية، رامت من موقفها الإنساني، توجيه رسالة للجارة الشرقية: أن اليد ممدودة لما فيه خير شعوب المنطقة، وأن على الساسة في طهران أن يسارعوا إلى تغيير سلوكهم، وأن يتعاملوا بحكمة مع المبادرات التي تطلقها دول الجوار، ولا يفوتوا فرص بناء الثقة.
صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وفي 28 مارس، هاتف الرئيس السوري بشار الأسد، مؤكداً له أن «سوريا لن تكون وحدها في هذه الظروف الحرجة».. مشدداً على «ضرورة أن تسمو الدول فوق المسائل السياسية في هذه الظروف الاستثنائية، وتغلب الجانب الإنساني، في ظل التحدي المشترك الذي نواجهه جميعاً».
وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية، أصدرت في مايو 2020، تقريراً حول «مساعدات الإمارات الإنسانية لمكافحة فيروس كورونا المستجد»، بينت فيه أن هذه المساعدات وصلت إلى 47 دولة، وبلغت حتى تاريخ صدور التقرير نحو 523 طناً من المواد والمستلزمات الطبية، سيستفيد منها 523 ألف شخص من العاملين في قطاع الرعاية الطبية.
دبلوماسية تجاوز الأزمات التي تمارسها الإمارات، ليست سياسة مؤقتة، أو موقفاً عابراً يتعلق بوباء كورونا، وإنما هي جزء من أدبيات العمل السياسي الخارجي، الذي يروم تحقيق الاستقرار والتنمية عبر وسائل مختلفة، وبأكثر الطرق مرونة ويسراً، بدون الاضطرار إلى الذهاب نحو المواجهة.
لو نظرنا إلى مبادرات سابقة مثل «وثيقة الأخوة الإنسانية» التي وقعها البابا فرنسيس، وإمام الأزهر الشيخ أحمد الطيب، أثناء زيارة بابا الكنيسة الكاثوليكية إلى الإمارات عام 2019، وأيضاً وثيقة «حلف الفضول الجديد»، التي أصدرها «منتدى تعزيز السلم» الذي يترأسه الشيخ عبدالله بن بيه، سنجدهما تشكلان إطاراً ثقافياً وأخلاقياً لهذه الدبلوماسية التي نشطت بشكل واضح خلال الأشهر الثلاثة المنصرمة، لأن هاتين الوثيقتين جزء من هذه الدبلوماسية، وأحد أشكالها، التي لا تقتصر على العمل السياسي المباشر، بل تتجاوزه إلى دور الدولة في دعم ورعاية التنوير، والعمل على تحقيق مفاهيم مثل: المواطنة الشاملة، والتعددية، واحترام وتعزيز التنوع البشري؛ وهي المهام التي لها انعكاس مباشر على الرؤية الواسعة للدبلوماسية، بمعناها الحديث والفعال.
التحديات التي كابدتها الإنسانية إبان أزمة فيروس كوفيد-19، يجب أن تشجع المؤسسات الدولية على التعاون، ومحاولة حل الخلافات عبر الدبلوماسية والحوار - قدر الإمكان ـ والبعد عن المواجهات والحروب، لأن الميزانيات التي تضعها الحكومات، حريٌ بها أن تستثمر في بناء دول حديثة، بأنظمة رعاية صحية متقدمة، وتعليم خلاَّق، وبنية تحتية متطورة، تستطيع من خلالها أن تحمي شعوبها، وتتحمل عبء أي أزمة مفاجئة مستقبلاً.