في أبريل الماضي، انتشرت صورة الفنان العالمي توم هانكس على شبكات الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي، بعد أن أعلن تبرعه بـ«بلازما الدم» من أجل تسريع الأبحاث الخاصة بإنتاج اللقاحات.
بعدها أعلنت عدد من الحكومات إمكانية استخدام البلازما وحقنها للمصابين بفيروس كورونا المستجد كوسيلة من الوسائل العلاجية، لكن؛ هل يُمكن أن تفيد البلازما لعلاج الإصابات بالجائحة المرعبة؟
قبل أسابيع، نشر الباحث واختصاصي الأمراض المعدية بجامعة جونز هوبكنز، أرتيريو كازديفالي، ما اعتبره «أهم ورقة علمية في حياته المهنية الطويلة»، في مجلة العلوم السريرية.
وقال كازديفالي في تلك الورقة: «إن أحد العلاجات الفعالة قد يكون في متناول اليد؛ بلازما دم الأشخاص الذين تعافوا من المرض».
وجاء في تلك الورقة «أن البلازما غنية بالأجسام المضادة للفيروس».
وأشار الباحث إلى أن تلك الاستراتيجية نجحت بالفعل في حالات عدوى سابقة، كما أن البنية التحتية المخصصة لجمع البلازما وإدارتها متوافرة في معظم البلدان، علاوة على أن المخاطر معروفة ومنخفضة نسبياً.
وكتب كازديفالي توصية بضرورة استخدام البلازما في العلاج، مشيراً إلى أن العالم في صراع محتدم مع الجائحة، مؤكداً أن هذه الاستراتيجية الجديدة في العلاج قد تحسم ذلك الصراع لصالح البشرية.
وبعد أيام من نشر تلك الورقة البحثية، تلقى أكثر من 16 ألف مريض في مئات المستشفيات الأمريكية العلاج التجريبي.
ونشرت جامعة ماونت سيناي الأمريكية دراسة للمرضى الذين عولجوا بالبلازما في مدينة نيويورك في 22 مايو الجاري.
وجاء في تلك الدراسة «تلميحات» عن وجود تقدم في العلاج بالبلازما، لكن لا تزال نتائج التجارب السريرية العشوائية قيد التحقيق.
تجارب سابقة
العلاج بالبلازما ليس حديثاً كما يظن البعض، إذ جرى تجربة نقل الدم أو البلازما من المرضى الذين تم شفاؤهم للمصابين الجدد منذ جائحة الإنفلونزا الإسبانية عام 1918 على الأقل. وأشارت التقارير والدراسات العلمية التي كُتبت خلال تفشى ذلك الوباء إلى أن تلك الطريقة ساعدت مئات المرضى على الشفاء.
كما تم استخدام البلازما أيضاً في محاربة الحصبة ومتلازمة الجهاز التنفسي الحادة والأمراض الأقل شهرة مثل الحمى النزفية الأرجنتينية.
وفي سبعينات القرن الماضي أجريت دراسة على 188 مريضاً، ومات 1% فقط من متلقي البلازما، مقابل 16.5% من المرضى الذين لم يتلقوا ذلك العلاج.
لكن بعض الأمثلة أقل تشجيعاً، كما قالت اختصاصية الأمراض المعدية في المركز الطبي الجامعي هامبورغ-إيبندورف، مارلين أددو في تصريحات نشرها الموقع الرسمي لدورية ساينس.
ففي دراسة أجريت على 84 مريضاً بفيروس «إيبولا» في غينيا عام 2015، لم ير الأطباء فائدة تُرجى من بلازما المتعافين، إذ قالت مارلين، «إن السبب ليس واضحاً، فربما لم تحتو البلازما المنقولة في تلك التجربة على العديد من الأجسام المضادة القوية».
وأشارت الاختصاصية إلى أن العلاج بتلك الطريقة ينطوي على مخاطر؛ إذ يمكن لعمليات نقل الدم أن تنقل مسببات الأمراض المنقولة بالدم، وفي حالات نادرة يُمكن أن تـؤدي إلى إصابات الرئة الحادة والوفاة، فالأجسام المضادة المنقولة تتلف الأوعية الدموية الرئوية، أو تسبب حملاً إضافياً على الدورة الدموية؛ بسبب عدم تكيف جسم المريض مع حجم البلازما المضافة، والذي يُمكن أن يصل إلى 500 ملليمتر مكعب، وهو ما يؤدي إلى حدوث صدمات تنفسية حادة تسبب الموت.
وأضافت مارلين أن استخدام بلازما المتعافين «مفهوم مثير للاهتمام»، لكن يجب أن يتماشى مع مفهوم آخر وهو «الحذر الشديد».
تجارب حديثة
بدأ الأطباء الصينيون في تجربة بلازما النقاهة لحالات عدوى الفيروس في يناير الماضي.
ففي دراسة نُشرت في أبريل بدورية وقائع الأكاديمية العلمية الأمريكية، أفاد الباحثون بأن 10 من أصل 10 متلقين للبلازما تحسنوا، في حين مات 3 من كل 10 في عناصر التحكم المتطابقة، وهم أشخاص لديهم نفس الخصائص ولم يتلقوا العلاج بالبلازما، كما نُشرت دراسات صغيرة أخرى واعدة في كل من الصين وإيطاليا وأماكن أخرى.
وفي سلسلة من الأبحاث تُعد هي الأكبر من نوعها حتى الآن، نفذ عالم الفيروسات بجامعة ماونت سيناي بنيويورك، نيكول بوفير، تجارب مبكرة أظهر فيها عدم وجود دلائل إحصائية قوية على نجاح العلاج بالبلازما حتى الآن، فرغم انخفاض معدل الوفيات في علاج الحالات المتدهورة بالبلازما لـ12.8% مقارنة بـ24.4% من المرضى الذين لم يتلقوا أيّ علاج، إلا أن تلك النسبة «غير كافية على الإطلاق للحكم على نجاعة علاج البلازما».
وأفادت نتائج الأبحاث المختلفة بأن احتياجات المرضى من الأكسجين الإضافي أو أجهزة التنفس الاصطناعي «تقل حال نقل بلازما المتعافين لهم»، لكن «الأعراض الجانبية لذلك العلاج على الأمد الطويل غير مفهومة على نحو جيد حتى الآن».
وأشارت طبيبة الأمراض المعدية في جامعة بوسطن، ناهد بهاديليا، إلى أن البيانات الواردة من الدراسات «واعدة».
كما قال المتخصص في علوم الدم بمعهد أرسيتي الألماني كلاوس سيشوتيك، إن العالم بحاجة لتجارب سريرية صارمة، مشيراً إلى أن ألمانيا تُجري تلك التجارب بالفعل، ومن المتوقع أن تظهر نتائجها في الأشهر المقبلة.
يمكن أن يساعد «مصل البلازما» أيضاً على منع عدوى الأشخاص المعرضين لخطورة عالية، ففي تجربة ستجريها جامعة جونز هوبكنز الأمريكية، سيحصل 150 من العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين تعرضوا للإصابة على بلازما دم المتعافين، وستنشر نتائج التجربة خلال الشهر المقبل.
التبرع بالبلازما
وتظل هناك مُشكلة تؤرق الباحثين؛ فإذا ما ثبت فاعلية «البلازما» فقد تكون هناك حاجة إلى الكثير منها، وقد يصبح العرض تحدياً.
يعتمد حجم التبرع بالبلازما على وزن المتبرع، ولكنه يتراوح عادة بين 690 و880 ملليلتر في الولايات المتحدة، وتكفي بالكاد مريضاً واحداً أو مريضين على الأكثر، كما يجب أن تكون فصيلة دم المتبرع مطابقة للمتلقي، لكن؛ من حسن الحظ أن المرضى الذين تم شفاؤهم قد يكونون قادرين على التبرع بالبلازما عدة مرات.
في مدينة نيويورك، يوجد الآن أكثر مما يكفي، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن الآلاف من المصابين تبرعوا بالفعل.
الاتساق أيضاً مشكلة، إذ يختلف مزيج الأجسام المضادة وتركيزها من متبرع إلى آخر، وهو «أحد الأسباب المؤسفة التي جعلت الأدلة السريرية المتولدة حول بلازما النقاهة ضحلة إلى حد ما» كما يقول رئيس قسم سلامة مسببات الأمراض في شركة الأدوية اليابانية «تاكيدا»، توماس كريل.
الغلوبيولين المناعي
تعمل شركة تاكيدا مع العديد من الشركاء، على إنتاج منتج يسمى «الغلوبيولين المناعي»، حيث يتم تجميع دم مئات المرضى الذين يتم شفاؤهم، ويجرى تركيز الأجسام المضادة فيها إلى حوالي 10 أضعاف.
يتمتع الغلوبيولين المناعي بفترة صلاحية أطول من البلازما، كما يسمح تركيزه المرتفع للأطباء بإعطاء المزيد من الأجسام المضادة للمرضى دون تعريض المرضى لمخاطر الإصابة بمشكلات التنفس أو إصابات الرئة الحادة.
كانت المرة الأخيرة التي أنتج فيها الغلوبيولين المناعي إبان وباء إنفلونزا «H1N1» الذي حدث عام 2009.
جمعت الشركة أجساماً مضادة من 16 ألف لتر من بلازما المتعافين، ما أسفر عن إنتاج غلوبيولين مناعي كافٍ لعلاج آلاف المرضى، لكن سلالة الإنفلونزا أثبتت أنها أخف مما كان متوقعاً ولم يتم استخدام العلاج.
قال كريل «إن الأجسام المضادة للناجين سيكون لها على الأرجح دور أكبر هذه المرة»، لكنه يستطرد: «أشك في أن الغلوبيولين المناعي يمكن تحضيره وتصنيعه قبل أن يكون لدينا لقاح صالح».