أدرك الناس أن فيروس كورونا المستجد ستكون له عدّة آثار سلبية على المجتمعات والاقتصادات والسياسات في العالم، وأن الحياة بعد كورونا لن تعود كالسابق، وأن دول العالم ستحتاج إلى وقت طويل من الزمن لتتعافى بعد جائحة كورونا، التي ضربت بعصب الدول، وأثرت بشكل لم يسبق له مثيل في الحياة.
في تقرير لمجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، قالت فيه: إن الوباء سيحطم حياة كثيرين، وسيعطل الأسواق، ويفضح الحكومات، وأشارت المجلة إلى تحولات جوهرية ستحدث في القوى السياسية والاقتصادية في المستقبل القريب.
ما لا شك فيه أن أزمة كورونا ستساهم كثيراً بتغيير شكل العالم بعشرات الطرق، وعلى كافة الأصعدة، فالتعليم والعمل لن يعودان كالسابق، والاقتصاد والسياسة والمجتمع سيتغير إما إلى الأفضل وإما الأسوأ.
وستعمل الحكومات على الابتكار أكثر في أساليب الحياة، وستخصص برامج مكثفة لإدارة الأزمات والتعامل مع الحوادث، وبعض الدول ستعزز الاستثمار في البنية التحتية الصحية، والبعض الآخر سيعمل من أجل المال، والسعي لتبني استراتيجيات تواجه تدهور الاقتصاد في الأزمات وغيرها من الخطط المستقبلية التي ستبنى على افتراضات تحاكي الأزمة الحالية لجائحة كورونا، التي لم يشهد لها مثيل في هذا العصر.
أما عن طبيعة الاختلاف التي سيعايشها العالم، فلا تزال معالمها غير واضحة ويشوبها تساؤلات جمّة، فالأحداث القادمة ستطرح تساؤلات بلا أجوبة، والأجوبة ستأتي تباعاً مع مرور الوقت ومعايشة واقع العالم بعد كورونا، وهذا ما يطرح تساؤلاً هاماً قد يكون بلا إجابة أيضاً، ألا وهو: كم من الوقت سيحتاج العالم للتعافي بعد كورونا؟
حياة البشر تأثرت كثيراً بفعل فيروس كورونا المستجد، وانتشر الخوف والهلع بين الناس في كافة أرجاء العالم، ولن يكون سهلاً أن يعتاد الناس على الطمأنينة والحياة الطبيعية بعد كورونا، وسيكون التعافي من صدمة آثار الفيروس صعباً.. لكن ليس بالمستحيل.
على مر الزمان كان البشر بشكل أساسي وراء أي نهضة اقتصادية، وساهموا تاريخياً في التأثير على القرارات السياسية وتطوير حياة المجتمعات وثقافاتهم، لذا فالتعافي بعد جائحة كورونا المستجد (كوفيد- 19)، يعتمد بشكل كبير على تعافي النفس البشرية ورغبتها الذاتية واقتناعها بضرورة الإسراع في النهوض وإصلاح ما أفسده الكورونا بالطريقة المناسبة.
فيروس كورونا ليس الأزمة الأولى التي تعصف بالعالم، وتأثر على مناحي الحياة المختلفة.
أزمة وباء إنفلونزا الخنازير التي ضربت العالم في عام 2009، هي آخر حدث يشبه ببعض تفاصيل تأثيره كورونا.
وباء إنفلونزا الخنازير تسبب في انهيار أسواق المال، وتدهور السياحة، وتعطل التنقل في العالم، وإيقاف الحياة جزئياً في بعض الدول، وراح ضحيته أكثر من 15 ألف إنسان بزمن قياسي، ما دعا منظمة الصحة العالمية إلى التوقف عن إحصاء الضحايا، نظراً لصعوبة الآمر آنذاك.
لذا فمن الصعب بحسب الخبراء، مقارنة أثر جائحة كورونا بأثر إنفلونزا الخنازير، لأن كورونا اجتاز بتأثيره تلك الإنفلونزا بمراحل، والمعطيات مختلفة في هذا الوقت مع أزمة كورونا، إلا أن تأثير إنفلونزا الخنازير كان أصاب العالم بعمق، وأسهم بتغييرات ضخمة حدثت على مستوى السياسة والاقتصاد، حيث يمكن تطبيق مثال التعافي من أزمة وباء إنفلونزا الخنازير على الحالة الحالية لكوفيد-19.
يذكر أن العالم كان قد واجه الأزمة المالية العالمية في 2008، ومن ثم تبعتها أزمة وباء إنفلونزا الخنازير في 2009، فالتأثير كان مضاعفاً.
إنفلونزا الخنازير سببت حالة من الإرباك الذي كان أثره واضحاً على الأسواق العالمية، وساهم في إبقاء المستثمرين في ترقب وهلع، مع عدم قدرتهم على الإقدام على أي نوع من المخاطرة، وكان له تأثير كبير على شركات الطيران والقطاع السياحي.
هذا التأثير بدأ بالانحصار وانجلى تدريجياً بحلول كأس العالم 2010، التي ساهمت أحداثه بانتعاش السياحة في المقام الأول، ومن ثم انتعشت أسواق المال بعد أن رأى العالم أن الحياة عادت إلى طبيعتها.
تلك التأثيرات انحصرت جميعها عندما أدرك الناس أن الحياة يجب أن تعود إلى طبيعتها، وأن الأزمات انجلت، ولم يعد لها وجود، وأثرها السلبي سيختفي تدريجياً مع الوقت.
لذا فمعطيات التاريخ والأزمات السابقة تشير إلى أنه إذا كان هناك إطار زمني لعودة الحياة إلى سابق عهدها، وتعافي العالم بعد أزمة جائحة كورونا المستجد، فغالباً ستكون بدايته بأول حدث هام يجمع العالم تحت سقف واحد، وسيوضح هذا الحدث بمجرد الإعلان عن انتهاء الوباء من قِبل منظمة الصحة العالمية، وبعد ذلك سيكون مطلوباً من المجتمع الدولي ودول العالم أن تستغل أبسط الأحداث التي من الممكن أن تنشر الإيجابية والفرح، وتعمل على برامج تساهم في النهضة، وتحد من تأثير ما بعد الصدمة الذي تسببت به كورونا، وكلما أسرع الناس في الخروج من الصدمة والتيقن بأن الخطر زال، كانت فترة التعافي أسرع، وظهرت آثارها أسرع، وانجلت كافة الآثار السلبية الناتجة عن كورونا أسرع.