إن الكتابة فعل وجودي، وليس حالة عبثية طارئة، ومن هنا فهو يتبطن عميقا مسألة المسؤولية التي تتخطى الفعل الفردي، وتجعل من الكتابة فعلا تاريخيا يتخطى الأمزجة والحالات الفردية الضيقة.
الكتابة إنسانية بالدرجة الأولى، إذ أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يدون أفراحه ومآسيه، وحده من يجهد نفسه للخروج من شَرطية اليومي القاسية، وهذا بالضبط مصدر استمراره ومأساته أيضا، لأنه يعرف جيدا ما حدث قبله، ويعي ما يحدث في زمانه، ويترك للآتين بعده تاريخه الخاص بكل منجزاته وفجائعه، وأثرا يمكن اختباره بالوسائل العلمية الحالية.
لا حياة ولا تاريخ للأمم، بل لا وجود لشيء اسمه الإنسان، سيتماهى في النوع الحيواني ولن يشكل استثناء بدون فعل الكتابة، فمن خلالها يتوازن البشر ويبنون ذاكرة ليس من السهل إنجازها لأنها ليست رهينة الأفراد، ولكن للجهد الجماعي الذي ينقل للأجيال المتعاقبة عوالمه في كل تلوناتها ومنجزاتها وأحلامها الأكثر جنونا.
وبلا كتابة لا وجود للإنسان بوصفه سلسلة من الحلقات المتعاقبة التي نشأت من خلالها الحضارات والعمران والمنجزات البشرية التي غيرت نظام الحياة والمعاش، ونقلت الإنسان نحو نور العقل والوجود، ولهذا ألغى الأنثروبولوجي كلود ليفي ستروس، فكرة الثقافات والحضارات المتخلفة، فكل الجهود البشرية تتساوى القوة والهيمنة، وهي التي تحدد المتقدم والمتخلف بشكل ظالم في كل مجموعة بشرية، بناء على محيطها ونظامها الحياتي، بنت ما آمنت به وأسندته بمعارفها وخبراتها المتراكمة، كيفما كانت درجة تطورها المادي، فقد اجتهدت بالوسائل المتاحة لبناء عالمها وتسجيله.
وبالعودة إلى الألواح الطينية القديمة مثل ألواح ملحمة غلغاميش، والأبجديات القديمة مثل الحروف الهيروغليفية، وألواح الأساطير والأديان القديمة وتاريخ الفراعنة وغيرها، ندرك كم أن الكتابة لا تضيء أنماط الحياة فقط، ولكنها معنى الإنسان نفسه التي يتحدد من خلالها، فهي التي دفعت به إلى الانفصال عن غرائزية الوجود الحيواني، ودفعت به إلى وجود آخر.
لهذا، فإن الدفاع عن حق الكتابة والإبداع ليس مناصرة للحق فقط، ولكن هو الوقوف مع استمرار الحياة في عالم يتصف بالمحو المستمر، وبهذا، تصبح فكرة محاربة الكتابة حربا ضد الوجود والاستمرار في عالم لا يبقى فيه إلا الملموس والمادي أو ذاكرة التوريث اللامادي، التي تحتاج إلى وعي حقيقي بجدواها لتسمر في وجدادنا.
كثيرا ما تستعيد الأجيال الشابة سؤال الكتابة المركزي: هل نكتب لأننا نشتهي الكتابة فقط؟، أم نكتب لأن الأمر يتجاوز ذلك كله ويتخطاه، لتصبح الكتابة فعلا حياتيا يحدد وجودنا كبشر، نكتب لا لنعبر فقط عن وضع فردي، أو عن حياة طارئة، أو عن سياق اجتماعي وثقافي، أو حتى عن مزاج ما، ولكن لأننا نحتاج لأن نعيش ونستمر في عالم رياحه الصفراء تمسح كل شيء في أثرها.. لنتخيل لثانية واحدة، كيف ستكون عزلة الإنسان بلا كتابة ولا كتب؟
الكتابة إنسانية بالدرجة الأولى، إذ أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يدون أفراحه ومآسيه، وحده من يجهد نفسه للخروج من شَرطية اليومي القاسية، وهذا بالضبط مصدر استمراره ومأساته أيضا، لأنه يعرف جيدا ما حدث قبله، ويعي ما يحدث في زمانه، ويترك للآتين بعده تاريخه الخاص بكل منجزاته وفجائعه، وأثرا يمكن اختباره بالوسائل العلمية الحالية.
لا حياة ولا تاريخ للأمم، بل لا وجود لشيء اسمه الإنسان، سيتماهى في النوع الحيواني ولن يشكل استثناء بدون فعل الكتابة، فمن خلالها يتوازن البشر ويبنون ذاكرة ليس من السهل إنجازها لأنها ليست رهينة الأفراد، ولكن للجهد الجماعي الذي ينقل للأجيال المتعاقبة عوالمه في كل تلوناتها ومنجزاتها وأحلامها الأكثر جنونا.
وبالعودة إلى الألواح الطينية القديمة مثل ألواح ملحمة غلغاميش، والأبجديات القديمة مثل الحروف الهيروغليفية، وألواح الأساطير والأديان القديمة وتاريخ الفراعنة وغيرها، ندرك كم أن الكتابة لا تضيء أنماط الحياة فقط، ولكنها معنى الإنسان نفسه التي يتحدد من خلالها، فهي التي دفعت به إلى الانفصال عن غرائزية الوجود الحيواني، ودفعت به إلى وجود آخر.
لهذا، فإن الدفاع عن حق الكتابة والإبداع ليس مناصرة للحق فقط، ولكن هو الوقوف مع استمرار الحياة في عالم يتصف بالمحو المستمر، وبهذا، تصبح فكرة محاربة الكتابة حربا ضد الوجود والاستمرار في عالم لا يبقى فيه إلا الملموس والمادي أو ذاكرة التوريث اللامادي، التي تحتاج إلى وعي حقيقي بجدواها لتسمر في وجدادنا.
كثيرا ما تستعيد الأجيال الشابة سؤال الكتابة المركزي: هل نكتب لأننا نشتهي الكتابة فقط؟، أم نكتب لأن الأمر يتجاوز ذلك كله ويتخطاه، لتصبح الكتابة فعلا حياتيا يحدد وجودنا كبشر، نكتب لا لنعبر فقط عن وضع فردي، أو عن حياة طارئة، أو عن سياق اجتماعي وثقافي، أو حتى عن مزاج ما، ولكن لأننا نحتاج لأن نعيش ونستمر في عالم رياحه الصفراء تمسح كل شيء في أثرها.. لنتخيل لثانية واحدة، كيف ستكون عزلة الإنسان بلا كتابة ولا كتب؟