يقدم رائد المسرح العراقي الفنان سامي عبدالحميد حالة فنية خاصة، عبر مسيرة فنية تتجاوز نصف القرن، دفعت البعض إلى المطالبة بدخوله موسوعة غينيس للأرقام القياسية بعد أن قهر في 2010، إرهاقات مسرح المونودراما، وهو ابن 82 عاماً، وقدم لثلاثة أيام مسرحية «غربة»، لكنه الآن يرزح تحت وطأة المرض، ومع ذلك تتملكه حالة ثرية من التصالح مع الذات ومآل الأقدار.
ورغم تجاوزه عامه الـ 91، وتعرضه مؤخراً لأزمة صحية كبيرة ألزمته بيته وفراشه، إلا أنه يتحدث بقلب شاب ينبض بعشق المسرح ويتمنى أن يمتد به العمر لخدمته واستكمال مشاريعه التي لم تنته بعد.
لم يقتصر تأثير عبدالحميد على المسرح العراقي فقط، بل امتد إلى كل الدول العربية التي ساهم فيها بأعمال كممثل أو مخرج أو مترجم وباحث ومنظر مسرحي من الطراز الأول.
•بداية.. نريد أن نطمئن جمهورك على حالتك الصحية بعد الأزمة الأخيرة.
حالياً أخبرني الأطباء أنني مصاب بفشل في الكليتين، وأخضع لغسيل كلوي مرتين أسبوعياً، ورغم أن وزارة الصحة قد تكفلت بعلاجي في إحدى المستشفيات الحكومية، لكنني أرى أن ذلك غير كاف، حيث إنني أعاني من الذهاب والعودة بشكل متكرر للمستشفى الحكومي، وأشعر أنني أرهق زوجتي معي في الذهاب والعودة مرتين في الأسبوع، لكن في النهاية أشكر الوزارة.
• لكن ألم تتلق أي دعوة للعلاج بالخارج؟
لم يحدث للأسف أن عرض عليّ أحد هذا الأمر.
• هل تعتبر الأزمة الصحية الأخيرة هي الأصعب؟
بكل تأكيد.. فقد اعتدت طوال عمري على التعرض لأزمات صحية كثيرة، كنت أتجاوزها بفضل الله ودعم زوجتي والمحيطين بي، ولكنني كنت أتمنى ألا أتعرض لأزمة صحية تقعدني وتمنعني عن العمل الذي أعشقه وأجد فيه حياتي، فقد كنت أعمل على إخراج عرض مسرحي بعنوان «الأرامل»، لكنني لم أتمكن من استكماله نتيجة المرض، وإن كنت قد أنهيت في الفترة الأخيرة ترجمة معجم أكسفورد للمسرح وفن الأداء، وهو عمل ضخم يحتاج إلى مؤسسة كبيرة تتصدى لنشره لأنه سيكون له فائدة كبرى لكل دارسي المسرح والمهتمين به.
• ماذا عن زوجتك الفنانة القديرة فوزية عارف ومساندتها لك في مرضك؟
هي كل شيء بالنسبة لي، ولا أستطيع أن أقوم بأي شيء من دونها، هي هدية السماء لي منذ أن عرفتها، ظلت رفيقة دربي، وشريكة نجاحاتي الفنية، ومعي في كل أزماتي ومواقفي منذ تعارفنا، وحتى الآن هي الضوء الذي أرى من خلاله الحياة، تساعدني في أدق تفاصيل حياتي اليومية إلى الآن من دون ملل أو شكوى.
• هل تعتقد أنك حصلت على التكريم الكافي خلال مشوارك الفني؟
أحمد الله أنني حصلت على تكريمات عديدة من داخل بلدي ومن خارجها، لكنني أعتبر التكريم الأكبر لي هو ما أراه من نتيجة جهدي عبر تفوق تلاميذي وتميزهم في الحياة الفنية بالوطن العربي كله، وقتها فقط أشعر أن جهدي وعمري لم يضع هباءً.
• كيف ترى أوضاع المسرح العربي في الوقت الحالي؟
لدي رأي قاس في حال المسرح العربي، فأنا أرى أنه تراجع بشكل كبير إلى الخلف، فعند مقارنة ما يجري تقديمه الآن، بما قدم في فترتي الستينات والسبعينات، تجد الوضع لا يسر أحداً، فللأسف ما يجري تقديمه عبارة عن أعمال مجتزأة، وبات الاستسهال عنواناً لأغلب ما يقدم.
حقيقة أشعر بالأسى حين أقول إن المسرح العربي حتى الآن لم يؤسس لتقاليد مسرحية خاصة به كما هو الحال مع المسرح الفرنسي أو الإنجليزي أو الروسي، وأول هذه التقاليد الخاصة هي غياب تقديم عروض «الريبتوار» عن أي مسرح وطني أو قومي بالوطن العربي، فالمسرحيون العرب لم يحترموا تراثهم مثلما فعل الغرب، نجد حتى الآن إنجلترا تقدم تراث شكسبير، وفرنسا تقدم موليير، لكن قل لي أين تراث أحمد شوقي في مصر مثلاً.
• في تقديرك.. ما الذي ينقص شباب المسرحيين حالياً؟
الشباب ينقصهم الثقافة، فهم للأسف يظنون أن الموهبة وحدها كافية، وهذا غير صحيح، ولا تفرز هذه الرؤية سوى أعمال خاوية وضعيفة لا ترتكز على الثقافة الحقيقية، وهذه هي مأساة الجيل الجديد، الذي لا يقدس القراءة والاطلاع مثلما كنا نفعل في جيلنا وأجيال تالية، كنا نلتهم الكتب ونبحث عن الترجمات في كل مكان ونسعى لتأسيس ثقافة خاصة بنا، وهو ما لا يتحقق اليوم.
• إلى أي مدى نسبة رضائك عن مشوارك الفني؟
أنا راض بنسبة كبيرة عما قدمته في حياتي، فقد خدمت الحركة الفنية في بلدي والوطن العربي بكل جدية وإخلاص وحب عبر حياتي كلها، لم أدخر جهداً أو وقتاً وأفنيت عمري في عشق المسرح الذي أعتبره بيتي الأول، وأتمنى أن يمتد بي العمر لأقدم المزيد والمزيد من العطاء.