عبد الحفيظ سعد

تسريبات أم حقائق؟.. عكس التذبذب، في الإعلان عن تفاصيل خطة السلام الأمريكية في الشرق الأوسط التي يصفها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنها «صفقة القرن»، والتي سربت الإدارة الأمريكية مؤخراً بعض بنودها، حالة من الضبابية في المشهدين الإقليمي والدولي.

والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هنا: هل «صفقة القرن» تقود إلى سلام حقيقي، أم هي اغتيال للقضية الفلسطينية؟

هناك العديد من الرؤى ما بين المؤيدة والمعارضة والمتحفظة أحياناً على ما تم الإعلان عنه، ولكن تبقى حقيقة أن تكرار إرجاء الإعلان عن الصفقة المزعومة يؤكد عدم تبلور الشكل النهائي لها، وتغيرها وفقاً لتغير السياسات الجارية وموازين القوى على أرض الواقع.

وأرجأت الإدارة الأمريكية على لسان مستشار البيت الأبيض جاريد كوشنر والذي يوصف بأنه «عراب الصفقة»، في مطلع العام الجاري موعد الإعلان عن تفاصيلها، انتظاراً للانتخابات الإسرائيلية في أبريل الماضي، ثم تأجلت مرة ثانية لما بعد شهر رمضان، وسيستمر الغموض نتيجة توجه إسرائيل إلى إجراء انتخابات جديدة، بعد فشل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في تشكيل حكومة ائتلافية، ما يعطي دلالة على أن الأفكار النهائية للصفقة ما زالت قيد الدراسة، وسط تسريبات ملتبسة عن بنود ما تطرحه الصفقة، والتي لا يظهر منها على لسان المسؤولين الأمريكيين سوى الحديث عن محفزات اقتصادية، وهو ما ظهر خلال الإعلان عن الورشة الاقتصادية التي دعت إليها الإدارة الأمريكية في مملكة البحرين يومي 25 و26 يونيو الجاري لمناقشة مبادرات اقتصادية، كمحفزات للتمهيد في التوصل إلى اتفاقية سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

ويفسر ذلك، عدم خروج تصور رسمي عن الخطة الأمريكية، وتسريب بنود غير واقعية للصفقة من قبل وسائل إعلام أمريكية أو تابعة لسلطات الاحتلال الإسرائيلي، والتي كان أبرزها ما سربته صحف إسرائيلية في مطلع مايو الماضي، تحدثت عن أبرز بنود الصفقة والتي من بينها توقيع اتفاق ثلاثي بين إسرائيل ومنظمة التحرير وحركة حماس على أن تقام دولة فلسطينية يطلق عليها «فلسطين الجديدة» على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة من دون المستوطنات اليهودية القائمة، ما يعني تنازل الفلسطينيون عن 13 في المئة من أراضي الضفة الحالية، ويظل وادي الأردن في قبضة الاحتلال، ويتم إنشاء طريق يربط بين فلسطين الجديدة مع الأردن ويكون الطريق تحت إشراف الفلسطينيين، بينما تشرف إسرائيل على إنشائه وتحديد مساراته.

وفيما يخص وضع القدس، ذكرت التسريبات، بأنه لن يتم تقسيم المدينة المحتلة وستكون مشتركة بين إسرائيل وفلسطين الجديدة، وينقل السكان العرب ليصبحوا سكاناً في فلسطين الجديدة وليسوا إسرائيليين، وتكون بلدية القدس شاملة ومسؤولة عن جميع أراضي القدس، باستثناء التعليم الذي تتولاه فلسطين الجديدة، ولا يسمح لليهود بشراء الأراضي، كما لن يسمح للعرب بشراء المنازل اليهودية، ولن يتم ضم مناطق إضافية إلى القدس، وستبقى الأماكن المقدسة كما هي.

أخبار ذات صلة

الين الياباني يهوي لأدنى مستوى في 24 عاماً أمام الدولار الأمريكي
زيادة صادرات الصين من السيارات الكهربائية أكثر من الضعف


وبالنسبة لغزة، ووفقاً للتسريبات الإسرائيلية، ستقوم مصر بمنح أراض جديدة لفلسطين لغرض إقامة مطار ومصانع وللتبادل التجاري والزراعة، دون السماح للفلسطينيين بالسكن فيها، وسيشق طريق سريع بين غزة والضفة الغربية بإشراف إسرائيل ويسمح بإقامة ناقل للمياه المعالجة تحت أراضٍ بين غزة والضفة.

وشدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مؤخراً على أن بلاده لن تقبل أي شيء لا يرضى عنه الفلسطينيون وذلك في تعليقات له بشأن خطة الولايات المتحدة للسلام في الشرق الأوسط.

ونفى الرئيس السيسي وجود أي نية لدى مصر «للتفريط» في الأراضي المصرية قائلاً «هل تتصوروا اني ممكن أفرط مثلاً؟.. طيب ليه؟».

ووفق التسريبات المعلنة، يمنع على فلسطين الجديدة أن يكون لها جيش، على أن يسمح لها بسلاح الشرطة فقط، ويتولى الاحتلال حماية حدود الأراضي الفلسطينية.

وأغفلت البنود المسربة عن الصفقة المزعومة، حقوق اللاجئين الفلسطينيين، ولا يوجد تصور لحقوقهم سوى توطينهم في بلدان بديلة، والاكتفاء بتعويضهم مادياً، وتتحدث بنود الصفقة المزعومة عن منح مالية، ستقدمها الدول الداعمة للاتفاق، وأن تُدفع مرتبات شهرية للذين تخلوا عن حمل السلاح من الفصائل الفلسطينية خاصة في غزة.

وجاء من ضمن البنود المسربة للصفقة، أنه في حال رفض الفلسطينيين، فإن الولايات المتحدة سوف تلغي كل دعمها المالي للفلسطينيين وتعمل جاهدة لمنع أي دولة أخرى من مساعدة الفلسطينيين، وفي حال رفض أي فصيل من الفلسطينيين لهذا الاتفاق، ستدعم أمريكا الاحتلال الإسرائيلي لإلحاق الأذى شخصياً بقادة الفصائل الرافضة، بينما في حال رفض إسرائيل لبنود الاتفاقية فستعاقبها الولايات المتحدة بحرمانها من الدعم الاقتصادي.

فقاعات أمريكية

رغم المساعي الأمريكية لمحاولة عدم التأكيد على البنود المسربة للصفقة المزعومة، وهو ما جاء على لسان المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، جيسون غرينبلات والذي وصف تلك التسريبات بأنها «غير دقيقة»، غير أن التسريبات المتناثرة تتوافق إلى حد كبير مع الانحياز التام الذي تنتهجه إدارة الرئيس ترامب تجاه إسرائيل، منذ إعلان قراره نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، إلى جانب حملات التضيق المالي والسياسي على منظمة التحرير الفلسطينية، وهو الأمر يزيد المخاوف والرفض الفلسطيني للخطة الأمريكية.

ويرى المحلل السياسي الفلسطيني أسامة شعث، أن عملية المماطلة من قبل الإدارة الأمريكية في الإعلان عن تفاصيل «صفقة القرن»، والاكتفاء بتسريبات غير واضحة المعالم وحلول غير واقعية لجوهر الصراع العربي الإسرائيلي، يعد بمثابة «فقاعات» لقياس نبض الموقف العربي، قبل إصدار أية تفاصيل رسمية عن الخطة، ما يعطيهم فرصة أكبر في المناورة وإعادة طرح الأفكار.

وأضاف أن الإدارة الأمريكية الحالية، تمثل إسرائيل، وتحاول اغتيال القضية الفلسطينية ولن تطرح إلا ما يخدمها بعد أن نزعت عن نفسها أي سمة كوسيط محايد في إدارة المفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل، سواء بقرارها نقل سفارتها للقدس، أو الاعتراف بالجولان المحتل بما يخالف كافة القرارات الدولية، بل إن هذه الإدارة قطعت علاقاتها مع السلطة الوطنية الفلسطينية وسعت لخنقها مالياً وعملت على استمرار الانشقاق الفلسطيني بين الضفة وقطاع غزة، ومحاولة تثبيت حركة حماس في القطاع بعد أن ضغطت على إسرائيل للسماح بدخول أموال قطرية، وهو ما ألمح إليه نتنياهو، عندما علق على الانتقادات الموجهة له بعد السماح لدخول أموال قطرية لتمويل حركة حماس، مشيراً إلى أن ذلك يخدم مصالح إسرائيل.

وأكد المحلل الفلسطيني، أن الضغط الذي تمارسه إسرائيل على السلطة الفلسطينية بوقف حقوقها في أموال الضرائب، بالتزامن مع قطع الولايات المتحدة كافة المساعدات عن الفلسطينيين، يفسر اعتماد الصفقة على الترويج لها بالمدخل الاقتصادي وليس بالحل السياسي الذي هو أساس الصراع، لوجود اعتقاد خاطئ لدى القائمين على الخطة بأن شاغل الفلسطينيين هو «لقمة العيش» وأن إغراءهم بالمال يمكن أن يدفعهم للتخلي على حقوقهم المشروعة في دولتهم.

وأضاف شعث أنه رغم الموقف الفلسطيني المنقسم، إلا أنه متطابق في رفض ما يطرح، ولن يقبل بأية صفقات قد تفقده الحدود الدنيا من مطالبه بإقامة دولته المستقلة على أراضي ما قبل 5 يونيو 1967.

منطق «البيزنس»

وأشار المحلل السياسي الفلسطيني طه الخطيب، إلى أن الأفكار الجديدة التي تطرحها إدارة ترامب فيما يخص الصراع العربي الإسرائيلي، ليس لها أساس في المؤسسات الأمريكية، فلا توجد دراسات أو تقارير من المراكز الاستراتيجية الأمريكية تحدثت عن هذه الصفقة حتى عام 2018، ولذلك يمكن أن نعتبر أن هذه الفكرة التي طرحها الرئيس الأمريكي في برنامجه الانتخابي، تتوافق مع شخصيته كرجل أعمال، يدير السياسية بمنطق «البيزنس»، لكن ربما يغيب عن هذه الإدارة أن القضية الفلسطينية تختلف جذرياً عن أية قضية أخرى لأنها تتعلق بمصير شعب، يخوض كفاحاً عبر أجيال على مدار أكثر من 70 عاماً، سقط فيه آلاف الشهداء.

وأضاف الخطيب ربما تقيس الإدارة الحالية تصورها للصراع بناء على الواقع الحالي للقيادات الفلسطينية التي تنتمي إما لفترة الستينات من المؤسسيين لمنظمة التحرير أو جيل الثمانيات والذي خرج من رحم الانتفاضة الأولى، لكن ربما يغيب عمن يضعون التصورات لحل الصراع أن هناك أجيالاً جديدة من الشباب الفلسطيني، تختلف عن السابقين وفقاً لمعطيات العصر، وأعتقد أن هذا الجيل سيكون له موقف مختلف.

وتوقع الخطيب الذي شغل سابقاً منصب المستشار السياسي للزعيم الراحل ياسر عرفات، أن ينتج عن محاولة فرض صفقة القرن، انتفاضة فلسطينية جديدة، ومحاولة أمريكا وإسرائيل فرض سياسة الأمر الواقع، سواء بمحاولة اغتيال القضية الفلسطينية وطمس الحق العربي في القدس المحتلة أو شرعة المستوطنات في الضفة.

رفض إسرائيلي

ويتوافق ما طرحه المحللون الفلسطينيون مع الرؤية التي قدمها المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى روبرت ساتلوف، في دراسة له في مايو الماضي عن «صفقة القرن»، والذي حذر خلالها من أن خطة «كوشنر» للسلام ممكن أن تؤدي إلى نتائج كارثية.

ووصف ساتلوف، كوشنير وزملاءه بـ «مطوّرين يُطبّقون دروساً في الشرق الأوسط من سوق العقارات في نيويورك أكثر من كونهم دبلوماسيين يحاولون حل نزاع دولي شائك طويل الأمد»، مؤكداً أن الرفض للخطة المزعومة لن يقتصر على الجانب الفلسطيني أو العربي فقط، بل إن في إسرائيل نفسها من سيرفض الاتفاق، وعلى رأسهم نتنياهو، لأنه لا يجد في اللحظة الراهنة ما يدفعه لتوقيع اتفاق مع الفلسطينيين، خاصة وأنه يحقق ما يتمناه دون مقابل سواء في الاعتراف بالقدس أو الجولان.

حلحلة الصراع

أكد مدير مركز المزماة للدراسات إبراهيم المقدادي، أن بنود «صفقة القرن» غير واضحة المعالم، ولم يتم الإعلان عنها بشكل رسمي، لذا «من الأفضل لنا كعرب أن تتنظر ما تطرحه، مع التأكيد على ثوابتنا تجاه القضية الفلسطينية، ولا نظهر بشكل أننا نرفض السلام»، وأضاف «ربما تكون فيها بعض الأمور الإيجابية لحلحلة الصراع الفلسطيني مع الاحتلال الإسرائيلي، والذي يقع ضحيته أبناء الشعب، وربما تعمل الصفقة على حل عشرات الأزمات لحياة الفلسطينيين.

ورأى المقدادي أن بعض الأطراف الإقليمية تريد، استغلال القضية الفلسطينية في تصفيته حساباتها مع أطراف أخرى، دون أن تقدم أي شيء يخدم الشعب الفلسطيني، مستشهداً بإيران التي تتحدث عن القضية الفلسطينية، ليل نهار دون أي تاريخ عن إسهاماتها في دعم القضية أو مناصرة الفلسطينيين.

وتابع أن إيران وبدعم قطري ترسخ الانقسام بين الفلسطينيين أنفسهم، وهو ما يظهر من خلال الأموال التي تقدمها قطر لحركة حماس لتضمن عدم إجراء المصالحة مع السلطة الفلسطينية.

وأوضح مدير مركز المزماة أنه من المهم أن ننتظر ما يطرح في مؤتمر البحرين يونيو الجاري، ولا نتعجل موقفاً مسبقاً، حتى لا نعطى للخصم الفرصة أن يحدد مسار تحرك القضية بتركنا النزاع، مؤكد أن الموقف العربي والخليجي على مدار السنين من دعم الفلسطينيين لن يتغير، إلا بناء على مصالح وتطلعات الشعب الفلسطيني.