أوغلو كذاب بوثائق التاريخ
تسعى تركيا إلى تزييف حقائق التاريخ، وأن تنسب لنفسها بطولة كاذبة، بادعاء وقوفها إلى جانب الحقوق العربية في فلسطين المحتلة. وكان آخر هذه الأكاذيب ما ادعاه وزير خارجية تركيا مولود تشاويش أوغلو، أن «تركيا هي البلد المسلم الوحيد القادر على الدفاع عن مدينة القدس، والمقدسات فيه»، مدعياً أن الجميع خائف من أمريكا، وأن بلاده الوحيدة القادرة على اتخاذ مواقف صعبة.
لكن وزير خارجية تركيا تغافل عن حقائق التاريخ التي تكذب كل ما يقوله، في أن ما اقترفته بلده ضد فلسطين المحتلة يفوق أي بلد آخر، بل كانت لها مساهمتها الكبرى في إنشاء كيان الاحتلال، إذ كانت أول دولة مسلمة تعترف بإسرائيل.
وبرزت تركيا كأكثر دول العالم في دعم هذا الكيان الغاصب لأرض عربية، سواء بالسلاح أو المال أو مساهمتها في توطين اليهود في أرض فلسطين منذ بداية الدولة العثمانية.
هذه الحقائق التي تغافل عنها وزير خارجية تركيا، تفضحها وثائق كشف عنها الكتاب الذي يحمل اسم «مواقف تركيا من قضية فلسطين»، والصادر حديثاً عن «مركز شرقيات للبحوث»، والذي وضعه الدكتور صبحي ناظم توفيق، مستنداً فيه إلى وثائق وتقارير سرية عُثِرَ عليها في خزائن الديوان الملكي العراقي، منسوبة إلى سفراء عرب، بخاصة العراقيون الذين عملوا في إسطنبول في الفترة من الثلاثينات ولغاية منتصف الخمسينات من القرن المنصرم.
وتعد هذه الفترة مفصلية في تاريخ دولة الاحتلال الإسرائيلي، لأنها بمنزلة فترة النشأة، خصوصاً أن كل دول العالم لا سيما الإسلامية كانت تقف ضد تأسيس إسرائيل.
لكن لتركيا موقفاً آخر، جاء على النقيض تماماً من القضية الفلسطينية والقدس الشريف، وحقوق اللاجئين، كما يفصح عن ذلك 98 وثيقة تغطي أغلبية المكاتبات التي قدمها الدبلوماسيون العراقيون في إسطنبول، والذين حرصوا على إحاطة مسؤولي الإدارة العليا في بلدهم بما تقوم به الدولة الجارة «المسلمة»، لمصلحة دولة إسرائيل.
إسرائيل والعثمانيون
يتناول الكتاب الوثائقي تاريخ العلاقة التي كانت بين اليهود الطامعين في اغتصاب أرض فلسطين، لإقامة «دولة الميعاد» المزعومة، منذ بداية الدول العثمانية، فيقول «أشير باختصار نحو حقيقة العلاقة التاريخية الوطيدة بين الأتراك واليهود، والتي تتميز بامتدادات عميقة وجذور متأصلة منذ أواخر التاريخ الوسيط، عندما فتحت الدولة العثمانية لليهود الباب للتمركز في فلسطين منذ عام 1517، ليشكلوا الهجرة الأولى لليهود نحو فلسطين بأيادٍ عثمانية.
أما المرحلة الثانية عن علاقة الأتراك باليهود، فكانت في القرنين السابع عشر والثامن عشر، حيث ساعد يهود أوروبا العثمانيين في احتلال بلدانهم. وكبر هذا «الجميل اليهودي» في عيون العثمانيين ولم ينسوه، فسمحوا لهم بالإقامة في اليونان ومنها دخلوا واستوطنوا مدناً تركية عدة، بعد أن تحولوا ظاهرياً إلى الإسلام، ليطلق عليهم الأتراك «الدونمه» التي تعني باللغة التركية «الانقلاب أو التحول».
ويقول الكتاب إنه خلال تلك الفترة بدأ تغلغل اليهود في المجتمع التركي، ولعب أدواراً اقتصادية واجتماعية فيه، وهو ما مهد لمرحلة بدء تأسيس دولة إسرائيل.
تواطؤ
عقب انهيار الدولة العثمانية بعد هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى، بدأ نشاط يهود «الدونمة» في تركيا من خلال الوكالة اليهودية العالمية «وتغلغل عملهم في المؤسسات السياسية التركية، ونما نفوذهم السياسي وتحكّم الأثرياء اليهود في البنوك التركية وكبريات الشركات والمصانع وسطوا على الصحافة والإعلام».
وتشير وثائق الكتاب إلى أنه مع بدء الخطوات الفعلية لإنشاء دولة الاحتلال الإسرائيلي في عام 1947، كانت الأرض ممهدة داخل تركيا، لدعمها الكيان الجديد المغتصب، وذلك على حساب الحق الفلسطيني، والذي تكلل بتصدر تركيا قائمة الدول التي اعترفت بإسرائيل، في عام 1949، وصولاً لتبادل السفراء معها، وسط ذهول العالمَين العربي والإسلامي من هذه الخطوة.
وفي تلك الفترة يسرد الكتاب الوثائقي، الإسهامات التي قدمتها تركيا في المساعدة على إقامة دولة الاحتلال، وسبب ارتماء الأتراك في حضن إسرائيل، وأن محرك ذلك الرئيس، كما تتحدث الوثائق، هو «السعي التركي للتقرب من أمريكا، في بداية تشكيل القوى العالمية عقب الحرب العالمية الثانية».
ويؤكد الكتاب، عكس ما يدعيه القادة الأتراك الحاليون، سواء رجب طيب أردوغان أو وزير خارجيته تشاويش أوغلو.
ويذكر هنا الخطر على تركيا من الاتحاد السوفييتي المتزعم للشيوعية العالمية ودعمه الأكراد وخلافاته معها حول المناطق التي بدأ النفوذ السوفييتي يتمدد فيها على حدود تركيا.
وسعى قادة تركيا للاحتماء بالقطب الآخر بقيادة أمريكا، لمحاولة الحصول على الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي.
ومن هنا بدأ المسؤولون الأتراك التقرب من دولة إسرائيل الناشئة، ولم يتأخروا في العمل على دعمها مقابل أن تفتح لهم المجال لمزيد من العلاقات مع أمريكا، وبحساب ساسة تركيا في هذه الأثناء رأت أن اليهود الأمريكيين، لهم نفوذ كبير في الاقتصاد والسياسية.
ولذلك لم يكن من مصلحة تركيا استجلاب سخط اليهود والأمريكيين، بأي موقف عدائي تجاه إنشاء دولة الاحتلال، وكانت تركيا تعتمد سياسة التجاهل أو غض الطرف عن المساهمات التي تقدمها لإسرائيل.
وتحكمت لعبة المصالح، في مساهمة تركيا في تأسيس دولة الاحتلال، في المقابل لم تكترث تركيا للغضب العربي والإسلامي من موقفها، لأن الأضرار من غضبهم، لا تقارن بإمكانية خسارتها رضا إسرائيل وأمريكا.
ولم تتوقف الممارسات التركية عند هذا الحد، بل تسرد إحدى الوثائق العربية، والصادرة في نوفمبر 1948 والمنسوبة إلى وزير العراق المفوض وتناول فيها التحقق من اتهامات جامعة الدول العربية، لتركيا لسماحها بقبول البريد من إسرائيل التي لم يكن معترف بها دولياً.
وتذكر الوثيقة أن المسؤولين الأتراك ينفون استقبال البريد من إسرائيل، لكن الواقع يؤكد أن العلاقة البريدية بين إسرائيل وتركيا لم تنقطع منذ انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين.
وتضيف الوثيقة أن السلطات التركية لم تعر الاعتراضات العربية على البريد الإسرائيلي أي اهتمام، وأنها مسألة لا تستحق الاكتراث، فمصالحها مع إسرائيل، خصوصاً دعم علاقاتها بأمريكا، تتجاوز أي غضب عربي أو إسلامي.
وعن العلاقة التجارية التي كانت بين تركيا ودولة الاحتلال قبل التأسيس، تشير وثيقة المفوض العراقي إلى أنه على الرغم من النفي الرسمي، فإن المعلومات تؤكد وجود علاقة تجارية بين إسرائيل وتركيا تتم خلف الستار، وقيام الأتراك بمد إسرائيل بالمواد الغذائية، أثناء حربها مع العرب.
وتذكر الوثائق أنه كان يتم التحايل لوصول الشحنات التركية إلى إسرائيل، عبر تسجيل خط سيرها إلى موانئ الإسكندرية أو قبرص أو إيطاليا، ولكنها توجه وهي في عرض البحر إلى حيفا.
وتقول الوثيقة «إن الصهاينة في تركيا يغرون التجار بالتعامل معهم والاستفادة من الموانئ التركية لتسيير السفن التي تحمل العتاد والأسلحة والمواد التي كانت دولة الاحتلال في أمسّ الحاجة لها في تلك الفترة، خصوصاً أنها لم تكن لها علاقتها مع أي دولة.
وتتناول الوثائق أيضاً، وجود دلائل على نقل أسلحة مهربة من خزائن الجيش التركي إلى إسرائيل، ناهيك عن تهريب الذهب والألماس والمعادن الثمينة من دون أن تحقق السلطات التركية نفي هذه الدلائل، فقد غضّ المسؤولون الأتراك النظر عن ذلك، خصوصاً أن هذه العمليات كانت تتم خلال حرب 48.
وتكشف وثائق السفراء العراقيين عن حرص المسؤولين الأتراك طول هذه القترة على التلاعب بالطرف العربي في نفي أي علاقات مع إسرائيل، خصوصاً أن تركيا في تلك الأثناء كانت ممثلة في اللجنة الدولية الثلاثية بخصوص فلسطين مع أمريكا وبريطانيا، غير أن مندوب تركيا الذي تم تعيينه في اللجنة، حسب وصف الوثائق الدبلوماسية، «إسرائيلي أكثر من الإسرائيليين أنفسهم».
سقوط القناع
تستمر الوثائق المنسوبة إلى مسؤولين دبلوماسيين عراقيين في سرد تطور العلاقة بين تل أبيب وأنقرة في بداية تأسيس إسرائيل، وأنه بحلول عام 1949، وبعد أن تمكنت إسرائيل من احتلال الأرض، تحولت تركيا من موقفها السري في تسهيل قيام دولة الاحتلال، إلى الوجه العلني في دعم اسرائيل.
وتذكر إحدى الوثائق المؤرخة في 12 فبراير 1949، تصريحات وزير الخارجية التركي في حينها، والذي قال صراحة إن «اليهود أحرار بالذهاب أينما شاؤوا، وأن البواخر التركية أيضاً تستطيع أن تذهب إلى موانئ إسرائيل»، وهو ما فتح الباب وقتها إلى تدفق اليهود من تركيا إلى إسرائيل بموافقة من حكومة أنقرة.
ووصل النفوذ الإسرائيلي في تركيا لمرحلة دعت الوزير العراقي المفوض لدى أنقرة إلى أن يقدم مقترحات تقضي بمواجهة عربية مشتركة للنفوذ الصهيوني المتعاظم في تركيا، ولكن من دون أن تلقى آذاناً مصغية، حسب وصفه.
وتستمر الوثائق في سرد الوقائع التي تقوم بها تركيا في دعم دولة إسرائيل والتي انتقلت من مرحلة الدعم العسكري بتهريب الأسلحة لإسرائيل ومدها بالمؤن والغذاء، وصولاً إلى السماح لشبيبة اليهود بالذهاب لإسرائيل للمساهمة في الحرب ضد العرب، ثم مرحلة الدعم الاقتصادي والتبادل التجاري مع إسرائيل، وتتويج ذلك للاعتراف بها وتبادل السفراء والزيارات بين الطرفين.
وتنقل إحدى الوثائق تصريحاً لوزير التجارة والاقتصاد التركي إلى وكالة «بالكور» اليهودية، ونقله راديو إسرائيل «سنستقبل بكل سرور مجيء الوفد التجاري الإسرائيلي إلى تركيا حالما تؤسس العلاقة الدبلوماسية بين البلدين».
وأضاف أن كلاً من إسرائيل وتركيا تكمل إحداهما الأخرى، حسب نص الوثيقة.
وتذكر وثيقة أخرى أن التصريح التركي كان تمهيداً للاعتراف بإسرائيل، وهو ما حدث بالفعل في الثالث من أبريل 1949.
وفي العام ذاته وصل مندوب إسرائيل إلى أنقرة ووقع أول اتفاق تجاري بين الطرفين.
التبرع لإسرائيل
تتناول إحدى الوثائق في يونيو 1949، سماح تركيا بإقامة «يانصيب» بحجة مساعدة الأيتام والفقراء، وفي الحقيقة أن منظمي اليانصيب يهود تستروا تحت ذلك الغطاء، للقيام بجمع أموال بهدف تسفير اليهود إلى إسرائيل، بموافقة ومباركة حكومة أنقرة.
وبيّنت الوثيقة أنه في الفترة ذاتها نظمت الخطوط البحرية التركية رحلات للسياحة في إسرائيل.
وبنهاية عام 1949، وصلت العلاقة بين إسرائيل وتركيا إلى أقوى صورها، وتجلي ذلك بعد قيام تركيا بتبادل السفراء مع إسرائيل، بعد أن سمح لها بإقامة قنصلية ضخمة في إسطنبول واختارت موقعها بالقرب من السفارة الأردنية.
وتقول الوثائق إن العلاقة بين البلدين وصلت إلى مرحلة متقدمة، خصوصاً أن تركيا نظمت حفلاً كبيراً في بداية عمل السفير الإسرائيلي لديها، دعي إليه كافة السفراء باستثناء العرب.
وثيقة دايان
تحمل إحدى الوثائق مفاجأة غير متوقعة للمسؤولين الأتراك الآن، سواء أردوغان أو وزير خارجيته، حيث تتحدث الوثيقة رقم 188 الصادرة في نوفمبر 1951، عن زيارة قام بها الجنرال موشي دايان، والذي كان يشغل في تلك الأثناء منصب وزير الخارجية إلى تركيا، وقد أدلى بأول تصريح، بأن القدس ستكون عاصمة إسرائيل، وقد كانت زيارته بغرض الاطلاع على أحوال الجيش التركي وسبل التعاون العسكري.
وتقول الوثيقة «عندما وصل الجنرال الإسرائيلي إلى إسطنبول، قال إنه جاء لتركيا بصورة غير رسمية، وعندما سُئل عن مستقبل القدس أجاب دايان من قلب إسطنبول (القدس ستكون لإسرائيل عاجلاً أو أجلاً)» .. هكذا تتحدث الوثائق، لتكذب ادعاءات مسؤولين أتراك يأتون اليوم بعد 70 عاماً، لتزييف الحقائق، بعد أن أسهموا في تأسيس دولة الاحتلال، وحصلوا على الثمن، في تدعيم علاقة بلدهم بأمريكا.
لكن وزير خارجية تركيا تغافل عن حقائق التاريخ التي تكذب كل ما يقوله، في أن ما اقترفته بلده ضد فلسطين المحتلة يفوق أي بلد آخر، بل كانت لها مساهمتها الكبرى في إنشاء كيان الاحتلال، إذ كانت أول دولة مسلمة تعترف بإسرائيل.
وبرزت تركيا كأكثر دول العالم في دعم هذا الكيان الغاصب لأرض عربية، سواء بالسلاح أو المال أو مساهمتها في توطين اليهود في أرض فلسطين منذ بداية الدولة العثمانية.
وتعد هذه الفترة مفصلية في تاريخ دولة الاحتلال الإسرائيلي، لأنها بمنزلة فترة النشأة، خصوصاً أن كل دول العالم لا سيما الإسلامية كانت تقف ضد تأسيس إسرائيل.
لكن لتركيا موقفاً آخر، جاء على النقيض تماماً من القضية الفلسطينية والقدس الشريف، وحقوق اللاجئين، كما يفصح عن ذلك 98 وثيقة تغطي أغلبية المكاتبات التي قدمها الدبلوماسيون العراقيون في إسطنبول، والذين حرصوا على إحاطة مسؤولي الإدارة العليا في بلدهم بما تقوم به الدولة الجارة «المسلمة»، لمصلحة دولة إسرائيل.
إسرائيل والعثمانيون
يتناول الكتاب الوثائقي تاريخ العلاقة التي كانت بين اليهود الطامعين في اغتصاب أرض فلسطين، لإقامة «دولة الميعاد» المزعومة، منذ بداية الدول العثمانية، فيقول «أشير باختصار نحو حقيقة العلاقة التاريخية الوطيدة بين الأتراك واليهود، والتي تتميز بامتدادات عميقة وجذور متأصلة منذ أواخر التاريخ الوسيط، عندما فتحت الدولة العثمانية لليهود الباب للتمركز في فلسطين منذ عام 1517، ليشكلوا الهجرة الأولى لليهود نحو فلسطين بأيادٍ عثمانية.
أما المرحلة الثانية عن علاقة الأتراك باليهود، فكانت في القرنين السابع عشر والثامن عشر، حيث ساعد يهود أوروبا العثمانيين في احتلال بلدانهم. وكبر هذا «الجميل اليهودي» في عيون العثمانيين ولم ينسوه، فسمحوا لهم بالإقامة في اليونان ومنها دخلوا واستوطنوا مدناً تركية عدة، بعد أن تحولوا ظاهرياً إلى الإسلام، ليطلق عليهم الأتراك «الدونمه» التي تعني باللغة التركية «الانقلاب أو التحول».
ويقول الكتاب إنه خلال تلك الفترة بدأ تغلغل اليهود في المجتمع التركي، ولعب أدواراً اقتصادية واجتماعية فيه، وهو ما مهد لمرحلة بدء تأسيس دولة إسرائيل.
تواطؤ
عقب انهيار الدولة العثمانية بعد هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى، بدأ نشاط يهود «الدونمة» في تركيا من خلال الوكالة اليهودية العالمية «وتغلغل عملهم في المؤسسات السياسية التركية، ونما نفوذهم السياسي وتحكّم الأثرياء اليهود في البنوك التركية وكبريات الشركات والمصانع وسطوا على الصحافة والإعلام».
وتشير وثائق الكتاب إلى أنه مع بدء الخطوات الفعلية لإنشاء دولة الاحتلال الإسرائيلي في عام 1947، كانت الأرض ممهدة داخل تركيا، لدعمها الكيان الجديد المغتصب، وذلك على حساب الحق الفلسطيني، والذي تكلل بتصدر تركيا قائمة الدول التي اعترفت بإسرائيل، في عام 1949، وصولاً لتبادل السفراء معها، وسط ذهول العالمَين العربي والإسلامي من هذه الخطوة.
وفي تلك الفترة يسرد الكتاب الوثائقي، الإسهامات التي قدمتها تركيا في المساعدة على إقامة دولة الاحتلال، وسبب ارتماء الأتراك في حضن إسرائيل، وأن محرك ذلك الرئيس، كما تتحدث الوثائق، هو «السعي التركي للتقرب من أمريكا، في بداية تشكيل القوى العالمية عقب الحرب العالمية الثانية».
ويؤكد الكتاب، عكس ما يدعيه القادة الأتراك الحاليون، سواء رجب طيب أردوغان أو وزير خارجيته تشاويش أوغلو.
ويذكر هنا الخطر على تركيا من الاتحاد السوفييتي المتزعم للشيوعية العالمية ودعمه الأكراد وخلافاته معها حول المناطق التي بدأ النفوذ السوفييتي يتمدد فيها على حدود تركيا.
وسعى قادة تركيا للاحتماء بالقطب الآخر بقيادة أمريكا، لمحاولة الحصول على الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي.
ومن هنا بدأ المسؤولون الأتراك التقرب من دولة إسرائيل الناشئة، ولم يتأخروا في العمل على دعمها مقابل أن تفتح لهم المجال لمزيد من العلاقات مع أمريكا، وبحساب ساسة تركيا في هذه الأثناء رأت أن اليهود الأمريكيين، لهم نفوذ كبير في الاقتصاد والسياسية.
ولذلك لم يكن من مصلحة تركيا استجلاب سخط اليهود والأمريكيين، بأي موقف عدائي تجاه إنشاء دولة الاحتلال، وكانت تركيا تعتمد سياسة التجاهل أو غض الطرف عن المساهمات التي تقدمها لإسرائيل.
وتحكمت لعبة المصالح، في مساهمة تركيا في تأسيس دولة الاحتلال، في المقابل لم تكترث تركيا للغضب العربي والإسلامي من موقفها، لأن الأضرار من غضبهم، لا تقارن بإمكانية خسارتها رضا إسرائيل وأمريكا.
ولم تتوقف الممارسات التركية عند هذا الحد، بل تسرد إحدى الوثائق العربية، والصادرة في نوفمبر 1948 والمنسوبة إلى وزير العراق المفوض وتناول فيها التحقق من اتهامات جامعة الدول العربية، لتركيا لسماحها بقبول البريد من إسرائيل التي لم يكن معترف بها دولياً.
وتذكر الوثيقة أن المسؤولين الأتراك ينفون استقبال البريد من إسرائيل، لكن الواقع يؤكد أن العلاقة البريدية بين إسرائيل وتركيا لم تنقطع منذ انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين.
وتضيف الوثيقة أن السلطات التركية لم تعر الاعتراضات العربية على البريد الإسرائيلي أي اهتمام، وأنها مسألة لا تستحق الاكتراث، فمصالحها مع إسرائيل، خصوصاً دعم علاقاتها بأمريكا، تتجاوز أي غضب عربي أو إسلامي.
وعن العلاقة التجارية التي كانت بين تركيا ودولة الاحتلال قبل التأسيس، تشير وثيقة المفوض العراقي إلى أنه على الرغم من النفي الرسمي، فإن المعلومات تؤكد وجود علاقة تجارية بين إسرائيل وتركيا تتم خلف الستار، وقيام الأتراك بمد إسرائيل بالمواد الغذائية، أثناء حربها مع العرب.
وتذكر الوثائق أنه كان يتم التحايل لوصول الشحنات التركية إلى إسرائيل، عبر تسجيل خط سيرها إلى موانئ الإسكندرية أو قبرص أو إيطاليا، ولكنها توجه وهي في عرض البحر إلى حيفا.
وتقول الوثيقة «إن الصهاينة في تركيا يغرون التجار بالتعامل معهم والاستفادة من الموانئ التركية لتسيير السفن التي تحمل العتاد والأسلحة والمواد التي كانت دولة الاحتلال في أمسّ الحاجة لها في تلك الفترة، خصوصاً أنها لم تكن لها علاقتها مع أي دولة.
وتتناول الوثائق أيضاً، وجود دلائل على نقل أسلحة مهربة من خزائن الجيش التركي إلى إسرائيل، ناهيك عن تهريب الذهب والألماس والمعادن الثمينة من دون أن تحقق السلطات التركية نفي هذه الدلائل، فقد غضّ المسؤولون الأتراك النظر عن ذلك، خصوصاً أن هذه العمليات كانت تتم خلال حرب 48.
وتكشف وثائق السفراء العراقيين عن حرص المسؤولين الأتراك طول هذه القترة على التلاعب بالطرف العربي في نفي أي علاقات مع إسرائيل، خصوصاً أن تركيا في تلك الأثناء كانت ممثلة في اللجنة الدولية الثلاثية بخصوص فلسطين مع أمريكا وبريطانيا، غير أن مندوب تركيا الذي تم تعيينه في اللجنة، حسب وصف الوثائق الدبلوماسية، «إسرائيلي أكثر من الإسرائيليين أنفسهم».
سقوط القناع
تستمر الوثائق المنسوبة إلى مسؤولين دبلوماسيين عراقيين في سرد تطور العلاقة بين تل أبيب وأنقرة في بداية تأسيس إسرائيل، وأنه بحلول عام 1949، وبعد أن تمكنت إسرائيل من احتلال الأرض، تحولت تركيا من موقفها السري في تسهيل قيام دولة الاحتلال، إلى الوجه العلني في دعم اسرائيل.
وتذكر إحدى الوثائق المؤرخة في 12 فبراير 1949، تصريحات وزير الخارجية التركي في حينها، والذي قال صراحة إن «اليهود أحرار بالذهاب أينما شاؤوا، وأن البواخر التركية أيضاً تستطيع أن تذهب إلى موانئ إسرائيل»، وهو ما فتح الباب وقتها إلى تدفق اليهود من تركيا إلى إسرائيل بموافقة من حكومة أنقرة.
ووصل النفوذ الإسرائيلي في تركيا لمرحلة دعت الوزير العراقي المفوض لدى أنقرة إلى أن يقدم مقترحات تقضي بمواجهة عربية مشتركة للنفوذ الصهيوني المتعاظم في تركيا، ولكن من دون أن تلقى آذاناً مصغية، حسب وصفه.
وتستمر الوثائق في سرد الوقائع التي تقوم بها تركيا في دعم دولة إسرائيل والتي انتقلت من مرحلة الدعم العسكري بتهريب الأسلحة لإسرائيل ومدها بالمؤن والغذاء، وصولاً إلى السماح لشبيبة اليهود بالذهاب لإسرائيل للمساهمة في الحرب ضد العرب، ثم مرحلة الدعم الاقتصادي والتبادل التجاري مع إسرائيل، وتتويج ذلك للاعتراف بها وتبادل السفراء والزيارات بين الطرفين.
وتنقل إحدى الوثائق تصريحاً لوزير التجارة والاقتصاد التركي إلى وكالة «بالكور» اليهودية، ونقله راديو إسرائيل «سنستقبل بكل سرور مجيء الوفد التجاري الإسرائيلي إلى تركيا حالما تؤسس العلاقة الدبلوماسية بين البلدين».
وأضاف أن كلاً من إسرائيل وتركيا تكمل إحداهما الأخرى، حسب نص الوثيقة.
وتذكر وثيقة أخرى أن التصريح التركي كان تمهيداً للاعتراف بإسرائيل، وهو ما حدث بالفعل في الثالث من أبريل 1949.
وفي العام ذاته وصل مندوب إسرائيل إلى أنقرة ووقع أول اتفاق تجاري بين الطرفين.
التبرع لإسرائيل
تتناول إحدى الوثائق في يونيو 1949، سماح تركيا بإقامة «يانصيب» بحجة مساعدة الأيتام والفقراء، وفي الحقيقة أن منظمي اليانصيب يهود تستروا تحت ذلك الغطاء، للقيام بجمع أموال بهدف تسفير اليهود إلى إسرائيل، بموافقة ومباركة حكومة أنقرة.
وبيّنت الوثيقة أنه في الفترة ذاتها نظمت الخطوط البحرية التركية رحلات للسياحة في إسرائيل.
وبنهاية عام 1949، وصلت العلاقة بين إسرائيل وتركيا إلى أقوى صورها، وتجلي ذلك بعد قيام تركيا بتبادل السفراء مع إسرائيل، بعد أن سمح لها بإقامة قنصلية ضخمة في إسطنبول واختارت موقعها بالقرب من السفارة الأردنية.
وتقول الوثائق إن العلاقة بين البلدين وصلت إلى مرحلة متقدمة، خصوصاً أن تركيا نظمت حفلاً كبيراً في بداية عمل السفير الإسرائيلي لديها، دعي إليه كافة السفراء باستثناء العرب.
وثيقة دايان
تحمل إحدى الوثائق مفاجأة غير متوقعة للمسؤولين الأتراك الآن، سواء أردوغان أو وزير خارجيته، حيث تتحدث الوثيقة رقم 188 الصادرة في نوفمبر 1951، عن زيارة قام بها الجنرال موشي دايان، والذي كان يشغل في تلك الأثناء منصب وزير الخارجية إلى تركيا، وقد أدلى بأول تصريح، بأن القدس ستكون عاصمة إسرائيل، وقد كانت زيارته بغرض الاطلاع على أحوال الجيش التركي وسبل التعاون العسكري.
وتقول الوثيقة «عندما وصل الجنرال الإسرائيلي إلى إسطنبول، قال إنه جاء لتركيا بصورة غير رسمية، وعندما سُئل عن مستقبل القدس أجاب دايان من قلب إسطنبول (القدس ستكون لإسرائيل عاجلاً أو أجلاً)» .. هكذا تتحدث الوثائق، لتكذب ادعاءات مسؤولين أتراك يأتون اليوم بعد 70 عاماً، لتزييف الحقائق، بعد أن أسهموا في تأسيس دولة الاحتلال، وحصلوا على الثمن، في تدعيم علاقة بلدهم بأمريكا.