عبدالله النعيمي

يوم بعد آخر تزداد دعوات الانصهار ضمن القالب العام كثافة وشراسة، وأصبح الإنسان المعاصر مطالباً بأن يكون منساقاً مع الآخرين في جميع أفكارهم وسلوكياتهم واهتماماتهم.. وإذا تجرأ يوماً على ممارسة حقه الإنساني في الاستقلال والتفرد، يتم نعته بالسلبية والتخلف والانغلاق على الذات.

ولكن هل هذه الصفات تنطبق فعلاً على الإنسان الذي يمارس حقه الإنساني الأصيل في رفض الأشياء التي لا تناسبه؟

يحدث كثيراً أن تكون جالساً مع أصدقائك المقربين في مقهى صغير.. تتبادلون الأحاديث المعتادة بينكم.. وفجأة يقتحم خلوتكم أحد المعارف، وبعد عبارات الترحيب والسؤال عن الحال.. يقول لكم متهكماً «الناس كلهم في المكان الفلاني، وأنتم جالسون هنا»!

يستفزكم كلامه، فيسأله أحدكم «وماذا يفعل الناس هناك؟».. يرد عليه بثقة عالية «فلان الفلاني موجود هناك، والناس كلهم متجمهرون حوله» !

تتساءل في داخلك بدهشة لا تصارح بها أحد «ومن فلان هذا.. ولماذا يجب أن أشارك الناس في التجمهر حوله.. ما المتعة في ذلك، ولماذا يجب علي أن أجاري الآخرين في جنونهم؟».

ويحدث أن تفكر في شراء سيارة جديدة، فتبدأ في زيارة وكالات السيارات، والمفاضلة بين الأنواع المتوافرة وفق معيار القيمة مقابل المال المتعارف عليه عالمياً، وعندما يقع اختيارك على سيارة أمريكية تلبي كل احتياجاتك بسعر ينخفض كثيراً عن نظيراتها الألمانية واليابانية.. يتهكم عليك أحدهم قائلاً «لماذا أنت غير عن الناس؟».

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


من أهم الدروس التي تعلمتها في حياتي، والذي أعتقد أنه ساهم كثيراً في تحسين ظروف حياتي بشكلٍ عام، خصوصاً من الناحية المادية.. هي عدم الانسياق مع القطيع على حساب الوعي الخاص.. وما أزال حتى اليوم أقطف ثمار هذا الدرس!

a.noaimi@alroeya.com