أمل بنت فهد

إن ما تهرب منه سيظل يلاحقك، وكلما أمعنت في الهرب منه يزداد خوفك منه، وتزداد سرعة لحاقه بك، لأنك حين تهرب وخلفك مجهول يترصدك، فإنك تتخيله أضخم وأشرس وأعنف مما هو فعلاً.

فالخيال حين يجنح للمخاوف فإنه يبالغ فوق ما تتصور، ويضيف عليها تراكمات الطفولة، والتجارب القاسية، ويمعن في تعذيبك، لأنه يشرح أعماقك المظلمة والتي يعرفها منك جيداً، لذا توقف عن الهروب، والتفت وواجه ما تخاف منه، النهاية من هذا العذاب مرهونة بالمواجهة الأولى فقط، مهما كنت مرتبكاً، ومهما شعرت بالاختناق، والعجز، فإنها مواجهة تستحق التجربة، لأنها باب لحريتك.

فإن كنت تخاف من شخص ما وتهابه، ويسبب لك إرباكاً، ويجعلك تكون على غير طبيعتك، واجهه، تحداه، قل بحزم: كفى، قل: لا، أعلن حريتك منه، أعلن استقلالك عنه، انظر إلى عينه نظرة التحدي الأخيرة، دعه يشاهد تحطم تمثاله في داخلك، حينها ستعرف معنى التحرر من القيد، وأنه كان قيداً هشاً جداً، واحتاج منك حركة بسيطة، حين قررت أن تتحرك.

وإن كان خوفك من موقف معين يرهقك، وتخشى أن تعيشه، لا تهرب، واجه الموقف بكل ما فيه، حتى وإن تعثرت أو تلعثمت أو أخطأت، سوف تتحرر منه، ستواجه سخرية المارة والمشاهدين، بسخريتك الخاصة، ستحرجهم لأنه موقف طبيعي.

كفاك هرباً، لن ينتهي هذا الشقاء قبل أن تلتفت، وتواجه، ولتعلم أن الحياة حياتك، والجسد جسدك، والمكان مكانك، لست مديناً لأحد، وليس لأحد أو لشيء أن يحدد ماهيتك، أو قيمتك، عداك أنت، لذا أغرق قليلاً في حب ذاتك، وامنحها شيئاً مما أرادته زمناً طويلاً، منعتها دون سبب وجيه، سترحل وحدك أيضاً، لن يشاركك أحد موتك، لذا حري بك أن تعيش ما تشتهيه دون أن تسمح لأحد أن يقف بينك وبينه.

ولتعلم أن الرغبات المؤجلة مجرد خناجر تغرسها في شهيتك، وستصل يوماً لفقد الشهية، شهية التحقق، شهية الممارسة، شهية الشعور، وهي مرحلة ميتة، ستكون فيها أقل من ظل، كأنك تفقد حواسك، لا تشعر بشيء، كل الأشكال دون أهمية، كل الألوان دون فوارق، وتبدأ مراسم التصحر الإنساني، وصولاً إلى التحجر، لذا لا تمت قبل أوان الموت.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


a.fahad@alroeya.com