يهدف مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث إلى نشر وإحياء التراث الإماراتي لدى الأجيال الجديدة من المواطنين والعرب والأجانب المقيمين داخل الدولة. كما ويهدف المركز إلى نشر التراث الإماراتي خارج وداخل الدولة من خلال مجموعة من الوثائق المرئية والمقروءة. ويعمل جاهداً على أن يكون مصدراً ومجمعاً للتراث الإماراتي بأشكاله المختلفة من التراث الثقافي، الحرفي، اللغوي، الاجتماعي والرياضي، وكذلك الحفاظ على التراث من الاندثار. لقد عرف الخبراء التراث الشعبي بأنه ثروة كبيرة من الآداب والقيم والعادات والتقاليد والمعارف الشعبية والثقافة المادية والفنون التشكيلية والموسيقية، وهو علم يدرس الآن في الكثير من الجامعات والمعاهد الأجنبية والعربية. فهو ما ينتقل من عادات وتقاليد وعلوم وآداب وفنون وأبنية ونحوها من جيل إلى جيل، فهو يشمل المقتنيات والأبنية وكل الفنون والمأثورات الشعبية من شعر وغناء وموسيقى ومعتقدات شعبية وقصص وحكايات وأمثال تجري على ألسنة العامة من الناس، وعادات الزواج، والمناسبات المختلفة وما تتضمنه من طرق موروثة في الأداء والأشكال ومن ألوان الرقص والألعاب والمهارات.كان ومازال الاهتمام بالتراث من الأولويات الملحة بالنسبة للدول والأفراد، ونظراً لأهمية التراث بشقيه المادي والمعنوي، فإن الدول قد تسابقت من أجل حماية وصون تراثها. ولقد اهتمت دولة الإمارات كثيراً بهذا الجانب باعتبارها إحدى الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لصون التراث. ومن ناحية أخرى، فقد اهتمت دولة الإمارات بالتراث وأولته رعاية خاصة على مستوى الهيئات المحلية والاتحادية، وذلك نظراً لإيمانها العميق بأن التراث يعد هوية شامخة في وجه تقدم الزمن، وهوية وحصانة تسير فى ركب العولمة والتمدن والتحديث. لقد قال المؤسس زايد، رحمه الله، بأن من ليس له ماض ليس له حاضر وليس له مستقبل. لقد كان يدرك رحمه الله، بأنه لا حضارة بدون تراث، لأنها ستصير حضارة طفيلية ترتوي من تراث الآخر دون تراثها.وفي خلال وجودي بالقرية العالمية، جذبني من بعيد مجسم كبير وجميل لبيت الاتحاد فهرولت إليه فرحاً لأهتف من أمامه وأقسم وأهتف كما فعل آباؤنا وأجدادنا للحفاظ على هذا الاتحاد المجيد والوفاء لقيادته. وعلى يمينه، شدتني هناك أسواق قديمة ذكرتني بدكاكين الماضي الجميل، يوم أن كنا أطفالاً يقودنا آباؤنا بين تلك الدكاكين، فرق قلبي وسارعت الخطى نحوها، وما إن وصلت إذ بشيء آخر خلفها يناديني.إنها قرية تراثية جميلة تأسرك، وتعجز الكلمات عن وصفها، فدخلت وتجولت بين الفلوة والفرس، والناقة والبعير، والشاة. دخلت دهليزاً كنا نسكن مثله في طفولتنا، فهاجت علي الشجون. كان الجو في القرية العالمية شتاء بارداً بعد نزول المطر، فأردت الدفء، فوجدت أمام الدهليز موقد النار للشاي والقهوة، فنزلت عليه لنيل الدفء فتذكرت أمي يوم كانت تصنع لنا ذاك القرص المبثوث الشهي واللذيذ بحبات السكر التي تتكسر بين أسنان طفولتنا.تمشيت في قرية التراث قليلاً فركبت الند، ونزلت عند البيئة البدوية فوجدت رجالاً يجلسون فى مجلس يسمونه الحضيرة، فما أحلى جلستهم وتوادهم وسوالفهم، ويا ما أحلى فنجالهم. نعم فيا محلى الفنجال كما قال الشاعر بن حثلين (في مجلس ما به إنفوس ثقيله .. هذا ولد عم، وهذا ولد خال، وهذا رفيق ما ندور بديله). فما أحوجنا إلى مثل هذه المجالس التي فيها كل معاني الرجولة والأخوة الصادقة بعيداً عن البلاكبيري والآيباد.تجولت في قرية حمدان فأعجبتني، أخبرت أبنائي فتشجعوا وجاؤوا إليها، فكان المفاجئ لي أنهم أحبوا الجلوس بها، أحبوا اللعب بالرمل فوق الند بعيداً عن الألعاب الإلكترونية. أحبوا الأهازيج والألعاب واللوحات الشعبية التي قدمتها طالبات مدرسة حصة بنت المر بإشراف اختصاصيات المدرسة.تركت أبنائي بإشراف القائمين على القرية وعدت بعد ساعات وأبنائي فرحون ببقائهم، بل طلبوا مني أن نعود إليها مرة ثانية. لا أملك إلا الدعاء بالخير لهذا الوطن الحبيب وقادته. الشكر والتقدير إلى سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي على دعمه ورعايته للتراث الإماراتي وإني لأتوجه إلى جميع الهيئات العاملة في التراث بزيارة القرية واستنساخ فكرتها، وتعميم هذه القرية ليس في دبي بل لتكون في كل حي من أحياء الإمارات. في الجعبة الكثير والكثير، ويقولون من سمع ليس كمن رأى، وليس كمن سمع أو قرأ. وإني لأدعوك أخي القارئ لزيارة قرية التراث التي أنشأها مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث. والشكر موصول للقائمين عليها فقد وجدنا فيهم المحبة والطيبة والحضور الدائم والتفاني في العمل، فهم هكذا أهل الإمارات تجدهم أهلاً لأي واجب أو تكليف يأتيهم.a.alajel@alroeya.com