آمال هشام السعدي

هل جربت أن تقرأ عن نفسك؟ إذا كنت تريد خوض هذه التجربة فما عليك إلا أن تقرأ كتاب «في ظل الله» لميشيل لودروس، والذي تمكن بكل ثبات من المشي في حقل من الألغام ليقدم للقارئ الألماني نبذة محايدة عن الشخصية الإسلامية وكأنه أحد أفرادها أو متقمصيها. أخذ الكاتب يحاجج أبناء جلدته من الذين جعلوا من معاداة اللاألماني واللامسيحي قميص عثمان الذي يمررون به مشاريعهم العنصرية، فيتساءل مثلاً لماذا عندما يقتل التركي زوجته تصنف الجريمة على أنها جريمة الشرف، وعندما يقتل الألماني زوجته تصنف اجتماعياً على أنها مأساة عائلية، أو قتل بدافع الغيرة؟ ولماذا يتذكر الألمان الكنتونات العرقية مثل حي كرويتسبرغ (إسطنبول الصغرى) في برلين، وفي الوقت نفسه ينسون حي ليتيل جيرماني الألماني في الولايات المتحدة الأمريكية في القرن الـ 19؟ مع أن قضية العيش والمسكن هي قضية اجتماعية أكثر منها دينية، بدليل أن غالبية الأتراك لن يترددوا لحظة في العيش في حي غروتفالد الراقي في برلين لو منحت لهم الفرصة. ويستنكر لودروس معاملة المهاجرين كمتهمين مطالبين كل يوم بإبراز أدلة براءتهم من التهم المنسوبة إليهم، مع أنهم مهما صنعوا أو تصنعوا فإن هذه البراءة لن تثبت حتى تختفي آخر مسلمة ترتدي غطاء للرأس في شوارع ألمانيا. في الجانب السياسي، يرى الكاتب أن الحكومات العربية، باستثناء دول الخليج، تمارس سرقة لثروات شعوبها بطريقة منظمة، وهذا تجاوز من الكاتب يتناسى أن العرب عبارة عن 22 دولة مختلفة، و350 مليون عربي أكثر اختلافاً، واختلاف جغرافي وثقافي واجتماعي واقتصادي أكثر تشرذماً، فلا يمكن الحكم على الأداء السياسي على جميع هذه الدول بحكم واحد يضعها في سلة واحدة دون النظر إلى الصورة الكاملة لهذه الدول. أعيب على الكاتب تعميم فشل تجارب الوحدة على كل الدول العربية مع إغفاله للتجربة اليتيمة المتمثلة في اتحاد دولة الإمارات، وكذلك إغفاله لشخصية مؤسس الاتحاد الشيخ زايد رحمه الله، والذي لولاه لما صارت إحدى مدن هذا الاتحاد، دبي، أهم مركز مالي عالمي بين فرانكفورت وسنغافورة كما يقول الكاتب، بل وصارت أسرع مدن العالم تطوراً. في الجانب التاريخي الوجداني، أشار الكاتب إلى واقعة «المؤامرة الكبرى» ضد الشريف حسين من قبل بريطانيا العظمى. يقول الكاتب إنها ليست مؤامرة بالمعنى الحرفي للكلمة، لكن العرب صدقوا الرواية التي تزعم أن البريطانيين وعدوا العرب بالاستقلال كمكافأة على ثورتهم ضد الأتراك، لكنهم نكثوا وعدهم. والحقيقة بحسب رواية أخرى، أن الشريف الحسين كان يلعب لعبة سياسية مزدوجة مع الطرفين، فكان يسعى لنيل مساعدة البريطانيين ضد الأتراك، وفي الوقت نفسه كان يعرض خدماته على الأتراك لمحاربة البريطانيين، بل واستطاع أن يخدع الإنجليز حين ادعى أنه يستطيع تجنيد ٢٠٠ ألف رجل ضد الأتراك، ثم لم يستطع جمع أكثر من خمسة آلاف، ما اضطر البريطانيين للتدخل بالمعدات العسكرية الخفيفة والثقيلة. بالمختصر المفيد، حاول الطرفان خداع بعضهما بعضاً، لكن أثبت البريطانيون أنهم أكثر دهاء ومكراً. في الجانب الديني، يشنع الكاتب على بابا الفاتيكان السابق حين قال إن الإسلام انتشر بحد السيف، متناسياً أن العالم المسيحي لم يعش لحظة تسامح من عام ٤٠٠ - ١٨٠٠ للميلاد، والقديس أوغسطينس، الذي يقابل الغزالي عندنا، علل بمنتهى التفصيل ضرورة الحرب المقدسة، ولم تعترف الكنيسة بالحرية الدينية إلا بعد قيام الثورة الفرنسية مرغمة مكرهة. يقارن الكاتب هذا الوضع بالحرية الدينية في الدولة العثمانية التي حكمت إقليم اليونان مئات السنين ولم تجبر يوماً اليونانيين على اعتناق الإسلام، بل وشغل هؤلاء اليونانيون المتجنسون بالجنسية العثمانية مناصب عليا في الدولة العليا، وفي النهاية يسأل الكاتب سؤالاً لا ينتظر عليه جواباً: اليهود في إسبانيا، هل حصلوا على حريات أوسع في الحكم الإسلامي أم الإسباني؟ يرى الكاتب أن الموقف المعادي للإسلام في العصور الوسطى وصل إلى الميثولوجيا والأدب، فدانتي صاحب «الكوميديا الإلهية» يسيء في كتابه إلى الإسلام، والطريف أن كتابه هذا ما هو إلا سطو مسطح على أحد كتب التراث الصوفي الإسلامي في وصف الإسراء والمعراج كما يقول لودروس، وينسب الكاتب شخصيات شهيرة من الأدب الإسباني، مثل دون كيشوت، فارس الطواحين الهوائية، إلى الأدب الصوفي الإسلامي. الكتاب جدير بالقراءة، ولا يخلو من مؤاخذات تعميمية، لكن من كتبه يعرف العرب والمسلمين ربما أكثر من العرب والمسلمين أنفسهم. للتواصل مع الكاتب o.hammadi@alroeya.com

أخبار ذات صلة