تعتبر رواية «مزرعة الحيوانات» التي صدرت عام ١٩٤٥ للكاتب الإنجليزي الشهير جورج أورويل واحدة من أبرز الأعمال الأدبية العالمية التي أنتجتها البشرية في العصر الحديث. وقد تعرضت الرواية التي تُصنّف ضمن الأدب السياسي الساخر بالهجاء والنقد اللاذع للأنظمة الاستبدادية عموماً وللثورة البلشفية التي قامت في روسيا مطلع القرن الماضي والحكم الستاليني الذي أعقبها على وجه الخصوص. تعود شهرة الرواية إلى كونها كتبت بلغة تصلح لكل زمان ومكان وضمن قالب كوميدي تعرضت من خلاله لشخصيات الطغاة عبر استنطاقهم على ألسنة الحيوانات. وقد آثر أورويل إعطاء أدوار البطولة في روايته للحيوانات عوضاً عن البشر من جهة كي يتجنب النقد المباشر للطغاة والذي كان ليجلب له لعنات وملاحقات السلطة الحاكمة آنذاك، ومن جهة أخرى إمعاناً منه في السخرية والنقد اللاذع لتلك الثورات والأنظمة الاستبدادية التي جاءت بها. تبدأ أحداث الرواية بثورة تقوم بها حيوانات إحدى المزارع على صاحبها «الإنسان» كرد فعل على سوء معاملته واستغلاله الجائر لها. وقبل قيامها بثورتها تلك، يطور ثلاثة من الحيوانات الأكثر ذكاء في المزرعة نظاماً فكرياً متكاملاً مُستمداً من حكم ووصايا أحد الحيوانات الأكبر سناً والأكثر حكمة، ثم «يبدؤون» بنشر هذا الفكر وتدريسه لبقية حيوانات المزرعة. وفي يوم من الأيام، يثمل صاحب المزرعة وينسى أن يُطعِم الحيوانات، الأمر الذي يغضبها ويسبب لها حالة من الهيجان، فتثور عليه ويخرج من المزرعة هارباً. وبعد انتصار الثورة، تستلم الحيوانات الأكثر ذكاء قيادة المزرعة وتصبح العقول المدبرة فيها. وبمرور الوقت يدب الخلاف بين اثنين من قادة الحيوانات حول كيفية إدارة المزرعة وتسيير شؤونها فتنقسم المزرعة إلى فريقين، واحد مع هذا وآخر مع ذاك. ولكن الأكثر دهاء بينهما ينجح في كسب جميع حيوانات المزرعة إلى جانبه من خلال إقناعها بأن منافسه خائن ومازالت تربطه علاقة سرية بصاحب المزرعة السابق! فتثور المزرعة على هذا «الخائن» المُفترض حتى يولّي منها هارباً ومن ثم، يصبح للمزرعة قائد واحد يبسط سيطرته التامة عليها. وشيئاً فشيئاً يشرع في الاستبداد والتسلط على حيوانات المزرعة وإساءة معاملتها! طبعاً رواية «مزرعة الحيوانات» ألقت بلائمة فشل الثورات على فساد قادتها وقصر نظرهم وسعيهم المَرَضي للاستئثار بالسلطة على حساب أولئك المساكين الذين تقطعت بهم السبل ويئسوا من رَوح الحاكم المستبد فخرجوا إلى الطرقات ثائرين. ولكن فساد القادة الجدد الذين تأتي بهم الثورات وسوء إدارتهم وصراعهم على السلطة كثيراً ما يؤدي إلى انحراف الثورات عن مسارها الصحيح وعن الغايات النبيلة التي قامت لأجلها، وبالتالي إجهاض أي أمل في إقامة المدينة الفاضلة (اليوتوبيا) التي لطالما حلمت بها تلك الشعوب المغلوبة على أمرها. وبالنتيجة، فإن الحركات التمردية التي تقوم لأجل محاربة الفساد قد يؤول بها المآل هي الأخرى إلى التمرغ في وحوله وارتكاب خطايا وفظاعات قد لا تقل فداحة وإثماً عن تلك التي دأبت على ارتكابها الأنظمة السابقة. رغم أن الرواية كُتبت منذ نحو سبعة عقود تقريباً وكان الغرض الأساسي منها هو نقد الشيوعية والأنظمة التي أُسست عليها، إلا أن القارئ والمُتعمق في الأحداث والشخصيات سيجد فيها إسقاطات كثيرة على الواقع، بل قد يبلغ به الأمر حد الربط بين شخصيات الرواية وبعض الوجوه السياسية والثورية التي كثيراً ما تتكرر في محطات التلفاز وعلى صفحات الصحف! هذا لا يعني أن الثورات عبارة عن نسخ مكررة عن بعضها البعض أو أحداث تجري إعادة إنتاجها من جديد على طريقة «التاريخ يُعيد نفسه»، ولكن الرواية نجحت إلى حد كبير في عكس تعقيدات وعُقد النفس البشرية. ففي كل ثورة كما في أي حدث آخر في الحياة سنجد المخلص والنبيل والطموح والصادق، والإنساني، وسنجد أيضاً الخائن والعميل واللص والانتهازي والبلطجي والمخادع والمتلون. هذا هو حال الثورات، تماماً كحال الدنيا بأكملها! d.fadhel@alroeya.com