رزان سلمان ومها الريس

معظمنا يعرف شخصاً ما خسر جزءاً كبيراً من مدخراته وهو يضارب في سوق الأسهم، أو يبيع ويشتري في العقارات. كما نعرف آخرين لم يتوانوا في استدانة أموال ضخمة من البنوك لتمويل هذه المضاربات فانتهوا بخسارة استثماراتهم ومراكمة جبال من الديون المستحقة للبنوك. هناك أيضاً أشخاص تمتلئ محافظهم بعشرات البطاقات الائتمانية التي تبلغ قيمتها أضعاف ما يجنونه من مداخيل شهرية. ولا ننسى أيضاً أولئك الذين يقصدون البنوك بحثاً عن قروض استهلاكية كقروض السفر والزواج وتأثيث المنزل وشراء السيارات الفارهة..والقائمة تطول. هناك شيء مشترك يجمع هؤلاء جميعاً، هو ضعف أو غياب الثقافة المالية. إن إحدى أهم النتائج - أو ربما الظواهر - التي أسهمت الأزمة المالية الأخيرة في تسليط الضوء عليها هي مسألة وجود ضعف واضح ومقلق في مستوى الوعي أو الثقافة المالية FinancialLiteracy لدى ملايين من البشر حول العالم في مواضيع أساسية تتعلق بإدارة المال والمصروفات الشخصية. وقد أدى هذا القصور بالمعرفة المالية إلى تكبد الكثير من المستهلكين لخسائر فادحة كلفت البعض منهم جميع مدخراته وانتهت ببعضهم الآخر إلى الشوارع بعد أن تعذر عليهم استكمال دفعات منازلهم المرهونة لدى البنوك (كما حدث في أمريكا) وحدت بعضهم الآخر إلى إشهار إفلاسه. أما أقل المستهلكين ثقافة في الجوانب المالية فقد وقعوا فريسة سهلة في يد اللصوص والمحتالين من أفراد ومؤسسات تدّعي مساعدة أصحاب المدخرات في استثمار ثرواتهم. إننا حين نتحدث عن الثقافة أو المعرفة المالية فإننا لا نعني بالضرورة أن يكون المرء مُلماً بجميع جوانب الاقتصاد والإدارة المالية والاستثمار فهذه مجالات لها ناسها من الخبراء والمختصين، ولكن من الضروري على الأفراد غير المتخصصين أن يحرصوا على اكتساب بعض المعارف والمفاهيم الأساسية التي تمكنهم من اتخاذ قرارات مالية سليمة مبنية على المعلومات informed decision making وليست متخذة جزافاً أو اعتباطاً! إن من شأن تلك المفاهيم والمهارات المالية المكتسبة أن تمكن المرء من إدارة دخله ومصروفاته بشكل مدروس ومستنير، كما ستمده بالعناصر والمعطيات اللازمة لاتخاذ قراراته المتعلقة بالادخار والاستثمار والاقتراض على النحو الأمثل. وكلما زاد وعي وإلمام الفرد بهذه المهارات، كلما كانت قراراته المالية ناجحة وانخفض فيها عنصر المخاطرة. ومع ازدياد المعاملات والمنتوجات المالية تعقيداً في وقتنا الحاضر، أصبح لزاماً على الجميع أن يتعلموا أبجديات الإدارة المالية. فلا عذر بعد اليوم لمن يتعثر بالديون أو يفشل في تخطيط مصروفاته سوى جهله المالي! وإذا أردنا أن نكون أكثر تحديداً حول ماهية الثقافة المالية أو مكوناتها، فإنه يمكننا أن نجملها في النقاط التالية: أولاً: فهم المنتجات المالية الرئيسة التي نستخدمها في حياتنا اليومية وآلية عملها، وهذا يشمل أنواع الحسابات المصرفية والقروض المختلفة، إضافة إلى أنواع الاستثمارات الرئيسة كالأسهم والسندات وصناديق الاستثمار. ثانياً: اتخاذ قرارات الإنفاق والادخار والاقتراض بتأنّ وحكمة، إذ في خضم الحمى الاستهلاكية التي نعيشها اليوم يجدر بنا إعادة التفكير في الكيفية التي نصرف بها مداخيلنا. وأن نعيد إحياء سلوك الادخار الذي كاد ينمحي من قواميس معظم الناس. أما الاقتراض، فعلينا التفكير فيه أكثر من مرة خصوصاً إن كان لأغراض استهلاكية. ثالثاً: البقاء على اطلاع حول مستجدات الاقتصاد المحلي والعالمي وتعديل الخطط المالية بناء على ذلك؛ فمن المهم أن يستوعب المرء مفاهيم مثل النمو الاقتصادي وإجمالي الناتج المحلي والتضخم والبطالة وأن يفهم انعكاساتها على أحواله المالية في الحاضر والمستقبل ويعدل خططه الاستهلاكية والاستثمارية بموجب تلك المتغيرات. أخيراً، فإن التثقيف المالي في وقتنا الحالي أصبح لا يقل أهمية عن تعلم القراءة والكتابة، حيث إن نسبة كبيرة من المجتمع أصبحت تتعاطى مع أدوات النظام المالي بشكل شبه يومي من خلال حساباتها المصرفية وبيع وشراء الأسهم وغيرها من أوجه التعاملات المالية، وإن الشخص غير المُلم بأبجديات الثقافة المالية يترك نفسه حتماً عرضة لمخاطر «جهله المالي». d.fadhel@alroeya.com

أخبار ذات صلة