تباينت جغرافيا الإنسان فتشكلت سحناته، أعراقه، إثنياته، ليسطر تاريخه عبر منظومة فكره، ضمن تماهيه مع الطبيعة ليؤمّن سبل حياته وعيشه، فظهرت آيديولوجية الصراع مع بني جنسه تحت ثالوث محورية وجوده «تناحر، تحاور، وتجاذب»، على اعتبار أن مكمن الصراع يدور حول الموارد الطبيعية من منطلق أنانية الإنسان، معبّرة عن شرائع الغاب «البقاء للأقوى». هنا، نشأت أشكال متجددة للتقاطعات، متمخضة عن العنف، والذي هو أمر مستهجن أخلاقياً، بيد أننا نقره واقعاً لأنه يمارس من قبل فرد قوي على فرد ضعيف، أو مجموعة على مجموعة. وتفسيريته أنه يبدأ بالتعنيف الكلامي ثم الجسدي، وقد يصل إلى القتل الذي تتعدد أشكاله «القتل العمد، أي قصد الفعل، والقتل شبه العمد قصد الفعل والشخص بما لا يقتل غالباً» نحو ضربه في غير مقتل «سوط، عصا، لكزه»، ثم القتل الخطأ، أي ما يقع دونما قصد. ويكمن سر تحريم القتل العمد في القرآن الكريم في أنه فعل من العباد تصادر به الحياة، فالله خالق الحياة، وذاك إهدار لحق إنسان. لذا، فإن الجزاء جهنم والخلود فيها، الغضب واللعن من الله سبحانه، كما جاء في قوله تعالى {ومن قتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً} النساء، آية: 93. وعبر محاولة الإنسان للارتقاء بسلم إنسانيته، ظهر مفهوم القتل الرحيم أول مرة بمفهومه الطبي في القرن السابع عشر عند الفيلسوف التجريبي الإنجليزي فرانس بيكون 1561-1626م، للإشارة إلى وسيلة موت سهلة غير مؤلمة، لتخفيف المعاناة، إلا أنه رفض من قوانين عدة، على اعتبار أنه انتحار إذا كان طوعياً أي بموافقة المريض، أو قسرياً (موافقة المريض غير متوافرة)، واعتبره الإسلام قتلاً لتدخّل الإرادة الإنسانية، وإن كان وازع الأطباء إنهاء معاناة المريض. أما في مجال القتل في الحروب فظهرت مبادئ المستنكف الضميري الرافض لأداء الخدمة العسكرية تحت زعم حرية الفكر أو الضمير أو الدين، وتم التوسع في استخدامه بشكل رسمي منذ مارس 1995م إثر قرار لجنة الأمم المتحدة في حقوق الإنسان نص على أنه «لا ينبغي للأشخاص الذين يؤدون الخدمة العسكرية، أن يحرموا من الحق في الاستنكاف الضميري تجاه الخدمة العسكرية». وفي المقابل، نجد دعاة الحرب والقتل، من بينهم ليو شتراوس، فيلسوف أمريكي يهودي من أصل ألماني 1899- 1973م يعده البعض الملهم لآيديولوجيا المحافظين الجدد داخل الحزب الجمهوري الأمريكي، حين اعتبر أن بني البشر لا يولدون أحراراً، وهم غير متساوين، والحالة الطبيعية ليست في الحرية، ولكن في التبعية، كما أقر بأن الفلاسفة القدامى على صواب، لأنهم يعبّرون عن حق طبيعي واحد، وهو حق النخبة في حكم العوام. وانتقد شتراوس الفلاسفة المحدثين من أمثال الفيلسوف الأخلاقي والمفكر السياسي الإنجليزي جون لوك 1632- 1704م، وغيره من الليبراليين، واعتبرهم حمقى في ثنايا كتابه «الحق الطبيعي والتاريخ»، مشيراً إلى أن الحرب وما يتمخض عنها من قتل، إصابات، اضطرابات، لجوء، تشرد، ودمار هي الحل، أو الاحتيال على التاريخ والعقول بقتل بعضهم بعضاً دون التدخل، وتلك المعضلة التي يتعين على العالم أن يستوعبها. إن المتتبع للتاريخ الإسلامي السياسي، منذ موقعة صفين في العام 37 هـ، يلاحظ أنها كانت ومازالت بسبب الحكم، فعندما تسلّم علي رضي الله عنه الحكم أصدر حكماً بعزل معاوية عن إمارة الشام فرفض معاوية ودارت الحرب، وعندما رأى معاوية انتصارات جيش علي رضي الله عنه، لجأ إلى خدعة، فقام عمرو بن العاص برفع المصاحف على أسنة الرماح، ليدل على أن القرآن حكم بينهم، ليدعو جيش علي رضي الله عنه إلى التوقف عن القتل، فظهرت فرقة الخوارج في قضية تكفير مرتكب الكبيرة، فقالوا إنه كافر، ليتحول الصراع من عقدي إلى سياسي. في الغضون، تولت عنه كل تيارات الفكر الإسلامي التي تميزت بأنها دعوات ضد الاستعمار، ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين في بعض الأحيان، وتكفيرية وإرهابية، ومتأسلمة «أي رفع شعار الإسلام دونما التمسك بأخلاق الإسلام الفاضلة، حتى بداية الثورات العربية ضد الفساد في كل مناحي الحياة»، أي عقدي، أخلاقي، سياسي، اجتماعي، الأمر الذي تمخض عنه جهل، فقر، مرض، وظلم، فكان رد بعض الحكام والحكومات بقتل شعوبهم. سيكتب التاريخ عن هؤلاء الطغاة، وستنتصر الشعوب لأن من كتبوا عن الحروب لم يتوقعوا إرادتها. m.khedr@alroeya.com