تواترت المعاني القيمية للمبادئ الأخلاقية عبر تاريخنا الإنساني، تعبيراً عن قضية محورية مفادها أن المجتمع الإنساني في وحدته، حركته، تطوره وانهياره، يشبه الوحدة الوجودية للكائن الحي «الحيوان والإنسان». بيد أن الإنسان والمجتمع أكثر تعقيداً، على اعتبار أن الحيوان يتصرف تبعاً لدائرة فطرته، مع استيعابنا لدلالات سلوكيات الحيوان، ما أدى إلى وجود علم يطلق عليه «علم سلوك الحيوان». هذا العلم وجد مع وجود الإنسان والحيوان على ظهر أمنا الأرض، فتطور تبعاً للتطور المعارف الإنسانية والعلمية، إذ لازم الحيوان الإنسان في غذاءه، كساءه، سكناه، غناءه، رقصه، طقوسه، وعباداته الطوطمية»، أي تلك الديانة المركبة من الأفكار والرموز والطقوس، وتعتمد على العلاقة بين جماعة إنسانية وموضوع طبيعي يسمى «الطوطم»، ويمكن أن يكون طائر أو حيواناً أو نباتاً أو ظاهرة طبيعية مع اعتقاد الجماعة بالارتباط به روحياً، وهو معتقد يسود جزئياً في ماليزياً، غينيا، وبعض مناطق إفريقيا، وبين السكان الأصليين من الأمريكيين والأستراليين. ويرمز هذا الطوطم، حسب ذاك المعتقد، إلى التماهي مع الإنسان عبر ترحاله،حراسته، ومؤانسته، ليعبر عن اتساع دائرة تبادل المنافع الفطرية خلال منظومة الكائنات الإنسانية والحيوانية. أما في مجال المجتمعات الإنسانية، فإن دائرة تبادل المنافع ترتقى لترتبط بمبدأ الالتزام الأخلاقي في معانيه العقدية والفلسفية. ففي الفلسفة، كما ركز على ذلك الفيلسوف اليوناني سقراط 399 ق.م – 469 ق.م على أن الإنسان لايمكن أن يعيش بدون مبدأ الإلتزام أخلاقياً، اجتماعياً، قانونياً، وذلك عندما اتهم بالالحاد وإفساد الشباب، فشرب السم مفضلاً إياه من الهروب، قائلاً «ألا أطيع القوانين التي تحميني حتى الآن» على اعتبار أن الالتزام تعهد اجتماعي، ومبدأ أخلاقي، وقانون، ينص على إحترام العهود، ليصبح سقراط مثالاً للملتزم أمام العقل، الذات، الفلسفة، المجتمع، القانون، والتاريخ. وعلى النقيض من سقراط نجد الفيلسوف الايطالي نيكولا ميكافيللي صاحب كتاب «الأمير» 1469 - 1527م ، فقد رأى أن المجتمع يتطور تبعاً لأسباب طبيعية، والقوى المحركة للتاريج هي المصلحة المادية والسلطوية، مطالباً بدولة قادرة على قمع الإضطرابات الشعبية، تستخدم كل وسائل الصراع السياسي، مشرعاً مقولته الغريبة والشهيرة: «الغاية تبرر الوسيلة» ليبرهن وسائل القسوة والخشونة والوحشية في صراع الحكام على السلطة محتكماً للعقل وليس القانون اللاهوتي «الإلهي». وركز على أن الحاكم يهلك أذا كان خيراً دائماً، فعليه أن يجيد إخفاء الشخصية ولايتصف بصفات الفضائل، ولكن عليه أن يتظاهر بذلك. إما عقدياً كما جاء في قوله تعالى «إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً» الإنسان : 3 ، فقد قال: الزمخشري 467- 538هجرية، في كتاب تفسيره «الكشاف» «أي مكناه وأقدرناه على حالتيه جميعاً، وأذ دعوناه إلى الإسلام بأدلة العقل والسمع، وكان معلوماً منه أن يؤمن أو يكفر، لإكرام الحجة». منطلق ذلك، أن الإسلام منهج حياة يرتبط بمبدأ الإلتزام في جميع المعاملات الإنسانية بسمات أخلاقية فاضلة، ليبعد الإنسانية عبر تاريخها الطويل من مبادئ الإكراه، التكفير، والتطرف العقدي الذي ولد الثورة على الكنيسة إبان عصر النهضة، وتمخض عن الـ «إسلامو فوبيا» أو «رهاب الإسلام» عند الغرب، بسبب الفهم الخاطئ لسماحة الدين الإسلامي، فجماليات الاعتقاد الإسلامي تظهر من خلال التركيز على مبدأ الحرية العقدية، على اعتبار أن الإيمان توفيق إلهي محض، فواجب الالتزام الأخلاقي يحتم علينا أن تدعو إلى الله باليسر واللين، فالإسلام لم ينشر بالسيف، هنالك ما يطلق عليه «الفتوحات الإسلامية» وليس الاستعمار الإسلامي، ولنا قدوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والصحابة رضي الله عليهم أجمعين، ومن عملوا على نشر الإسلام في كل بقاع الأرض من فاتحين، حكام، علماء، فقهاء، فلاسفة، ومفكرين.