لمياء كنعان وأمل نبيل

فلنستدع ثالوث الاستحسان في الإنسان «الماء، الخضرة، والوجه الحَسَن»، إنه ديدن الذات البشرية في استنباط جماليتها من محيطها، لا استدعائه من وطر غاياتها. ويظل ما ذكرته المقولة التي يتسنمها الماء، لا غرو فهو سر الحياة ضمن نطاق إدراك الذهنية البشرية المحدودة، بيد أننا إذا تمعنا في محدودية معرفتنا لاستوعبنا عبر معتقدنا أن سر الحياة يكمن في الروح التي «هي بأمر ربي»، لنكون تلك الثنائية الإبداعية. لذا، يمكن القول بأن الماء يعبر عن مكنون كل الأرواح، نباتية، حيوانية، وإنسانية. وتعددت مصادره، أمطار، أنهار، ينابيع، محيطات، بحار، ومياه جوفية، وفي كيميائيته الموجودة في باطن الأرض. هو مركب مكون من ذرتي هيدروجين وذرة من الأكسجين، ينتشران في الأرض ضمن حالات مختلفة، السائلة، الغازية، والصلبة، يغطي أكثر من 70 في المئة من كوكبنا، والإبداع من ذلك أن الجسم البشري يقتضي أن يزود بذات الكمية لكي يظل قلبه ينبض، ضمنياً يندرج تحت ذلك: النبات، والحيوان. لذا، فإن هناك العديد من المناخات الجغرافية، تبعاً لقلة الماء وكثرته وحتى تجمده أو انعدامه، ما يؤثر في تعدد الإثنيات والأعراق المختلفة في اللون والشكل وحتى الأمزجة. وتحدث المؤرخ العربي التونسي المولد، الأندلسي الأصل عبدالرحمن بن محمد بن خلدون (1332م - 1406م) عن هذه النظرية ضمن ثنايا كتابه «المقدمة» حين قسم الأجناس تبعاً للكنتور الجغرافي. عليه، يمكن القول إن الماء أثر في قيام المجتمعات البشرية من خلال الزراعة، الصيد، الصناعة، توليد الكهرباء، والشرب. إن سر الماء يصل إلى حد القول إن الحضارات الإنسانية القديمة نهضت على وديان الأنهار الكبيرة في وادي النيل في مصر، شمال السودان، وادي دجلة والفرات، وادي السند في الهند وباكستان، ووادي «هواتج» في الصين، الذي يعرف بالنهر الأصفر، وحضارة المايا قي منطقة وسط أمريكا اللاتينية وتعرف حالياً بغواتيمالا، بليز، هندوراس، السلفادور، المكسيك، وحضارة الإنكا، بنتها شعوب من الهنود الحمر في منطقة أمريكا الجنوبية، بوليفيا، البيرو، الأكوادور، وجزء من شيلي والأرجنتين. وبحسب نظرية التأثير والتأثر، أثرت هذه الحضارات في من حولها، لذا فإننا نجد أن الماء في بعض الحضارات ارتبط بالجانب التأليهي لسكان تلك المناطق، ما أدى إلى وجود قرابين تقدم على شكل هبات تفادياً للجفاف أو الفيضان «الطوفان». أما في الفلسفة اليونانية القديمة المعتمدة على الملاحظة والتجربة، زار أول فلاسفتها الطبيعيون، طاليس 634 ق.م مصر منطقة «الدلتا» فخرج بنظريته «الماء أصل الأشياء كلها». وفي القرن الثامن عشر ارتبط الماء بالموسيقى «موسيقى الماء»، وهي عبارة عن مجموعة من حراك أوركسترالي، ألفها جورج فريدرك هاندل لأول مرة 1717م أمام الملك جورج الأول، بعد أن طلب الأخير إقامة حفل موسيقي على نهر التيمس، من 50 موسيقياً وهم يعزفون على زورق بالقرب من المركب الملكي. أما في الأديان السماوية «مثالاً: اليهودية ذكرت أن الماء يستعمل للتطهير والاغتسال»، وفي المعتقد المسيحي يستعمل الماء للتعميد، إذ يؤخذ الطفل إلى الكنيسة ويغطس في حوض مملوء بالماء، لأن المسيح عليه السلام تعمد على يد يوحنا المعمدان في نهر الأردن. وفي الإسلام، وهو الدين المكمل للأديان، اعتبر أساس الحياة كما جاء في قوله تعالى «أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون» سورة الأنبياء الآية (30)، فضلاً عن إدارة للتطهير والتنظيف يستخدمه المسلم خمس مرات قبل أداء صلواته، وتختتم به طهارته في غسله الأخير عند الموت. وهنا، يمكن القول إن الإسلام اعتمد على تراتبية دقيقة في استخدام الماء لدرجة النهي عن الإسراف في استخدامه. على هذا، يمكن القول إن الماء أساس لانبثاق الحضارات، كما أنه ساعد على انتقالها عبر ذاكرة الإنسان التراكمية. m.khedr@alroeya.com

أخبار ذات صلة