مادة إعلانية

لا بد أنه من المؤسف جداً أن نأتي على ذكر العنف وقد اختار لنا الله شريعة مؤسسة على السلام وتأخذ مسماها منه، فنجد أن العنف يتزايد ضد المرأة مع تغليب الجهل أو الذكورة على العقل والدين والتعاليم السمحة والفطرة الإنسانية. والعنف الذي نتحدث عنه ليس فقط هو العنف الجسماني، فللأسف قد يكون أحدنا عايش تجربة كان فيها سبباً أو نتيجة لعنف لا يمكن لمسه باليد، ولكنه يشعر به، إنه العنف الذي أسميه العنف اللطيف. والعنف عامة قد يكون جسمانياً أو جنسياً أو نفسياً، وفي العنف النفسي نجد أمثلة كثيرة كالحرمان من الحرية والتضييق، وأيضاً عدم الوفاء بالحاجات العاطفية للمرأة من حسن المعاملة والعطاء والأمان النفسي تعتبر جميعها من أنواع العنف غير المحسوس ضد الجنس اللطيف. وقد يعزو البعض هذا العنف إلى التربية التي غذّت العنف ضد المرأة، وهي التربية ذاتها التي علمتنا أن الرجل لا يبكي، فهنا يبدو لنا أن هناك بعض الأعمدة التي يجب أن تكسر في التربية، فاعتبار قوة الرجل في كبت مشاعره، إضافة إلى عنفه ضد المرأة قد يكونان متلازمين، وربما هذا العطش هو الذي حول المنطقة العربية إلى دار سينما عملاقة للمسلسلات المكسيكية قديماً والتركية حديثاً والهندية في المستقبل القريب. ما الحل إذاً؟ ولو أنني لم أستعرض كامل القضية - فلا يسعها هذا المقام-، إلا أننا سنتحدث في الحلول، لعل أول الحلول هو الانسجام الأسري بين الطرفين، وكما ورد في مقال (العنف الأسري) لمحمود شاهين، والمنشور في هذه الصفحة في (20 يناير 2013)، حيث يقول الكاتب متحدثاً عن الأسرة «ويكون نجاحهما بحسب قدرتهما على الانسجام والتفاعل بشكل بناء، بحيث يغطي كل منهما سلبيات الآخر»، فهذا هو أساس تكوين الأسرة، وامتصاص أخطاء الطرف الآخر أو التفريغ الإيجابي والتفاهم ومعرفة شخصية الآخر تعد نقاطاً أساسية في الأسرة السليمة. وعن حل لجزء من المشكلة نتجه إلى المستوى التعليمي، وقد أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن واحدة من أكبر العقبات تجاه تقليل العنف ضد المرأة هو المستوى التعليمي للطرفين، سواء الجاني أو المجني عليه، ولسنا نشير إلى الشهادات بل التعليم والمعلومات، وحل هذا في محاولة كسر المعتقدات الخاصة بالمرأة والرجل والتي تدفع بالعنف إلى الانتشار. وعلى المرأة أيضاً أن تساعد نفسها من خلال الإبلاغ عن هذه الإساءات، وهذا بالضبط ما يعتبره المجتمع عيباً، وبالتالي يساعد في نشر العنف اللطيف وغيره من أنواع العنف، فالمجتمع هو الملام. والمجتمع الذي نعتبره ملاماً هو التربية والأسرة، ومن هنا ننتقل إلى حل آخر، وهو تغلب العدل والقانون والحقوق في المجتمع على الأفكار السائدة، وهذه الغلبة عادة ما تكون في البلدان المستقرة، ويلعب الدين أيضاً دوراً مهماً في سيادة الحق واتزان المجتمع، والعجب أن الدين قديم متجدد، وبرغم ذلك لازالت أفكار كثيرة قديمة سائدة، ولو أن الناس يعودون إلى الأديان السماوية عامة والإسلام خاصة لوجدوا قيم العدل والسلام والمحبة، ولعل ذلك يوجد حتى في الأديان التي اختلقها البشر. وعلى أي حال هذه هي الفطرة، وقد غطتها عادات وأفكار لو جردتها من حاملها لما رآها سوى سواداً يغطي نور الشمس، ويمنعه الاستمتاع بأمان عاطفي أسري دافئ. فالعنف ضد المرأة وضد الطفل وضد الضعيف هو منافاة لطبيعتنا، فلتجتمع الأسر بعيداً عن مجتمعها، ولتتفكر ولتتدبر في أمرها، فإن الجنة قريبة من كل بيت وأسرة، والجنة في بيوتنا، علينا فقط أن نسمح لها بأن تكون تمتعنا بحياتنا القصيرة، فلا عنف لطيف، ولكنه عنف مختبئ، يصعب أن تحاسب عليه مقترفه، ولكن العدالة في الحياة لابد أن تصيب العنيف أيا كان، وأينما كان بنكد العيش، فلا تقام السعادة على بقايا مظلومين.

أخبار ذات صلة