جاليات
يمثل الوقت أحد الموارد المهمة والثمينة لأي إنسان في هذا العالم الكبير على مختلف الصُعد الحياتية والدينية والاقتصادية، ولا يستهان بقيمته المعنوية والزمانية مهما كانت المدة قصيرة، أو طويلة. ويذكّرنا أحمد شوقي بقوله:
دقّاتُ قلبِ المرء قائلةٌ له: إنّ الحياة دقائقٌ وثواني أمّا أبو العلاء المعرّي، فيبيّن استحالة استعادة الزمن الفائت مهما كان قريباً:
أمس ِالذي مرّ على قُربهِ يعجزُ أهلُ الأرض عن ردّه ِ
وجعل الإسلام الوقت بمنزلة رأس مال يحاسب عليه الإنسان؛ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه ...».
وتزداد المحاسبة حين يزداد رأس المال؛ قال تعالى في كتابه العزيز: (وهم يصطرخون فيها ربّنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنّا أوَلمْ نعمّركم ما يتذكّر فيه من تذكّر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير).
روي عن الحسن البصري أنه قال: «يا ابن آدم، إنما أنت أيام، كلّما ذهب يوم ذهب بعضك».
المال يُدّخر ويقايض، وقد يعوّض إذا أهدر، أو ضاع، ولكنّ الوقت لا سبيل لادّخاره، أو مقايضته، أو استرجاعه.
كم تنبّهنا الساعة التي في معصمنا، أوعلى أحد جدران منازلنا، أو في مكاتبنا، أو حتى في الساحات العامة أن الحياة لا تقاس بالأعوام الكبيرة، وإنما تقاس بالثواني والدقائق القليلة. ما رأيت ساعة يضحّى بها، ويذهل الناس عن دقّاتها كهذه الساعة التي في صدورنا. إنها ساعة الوقت الذي هو ضحيتنا قبل أن نكون ضحيته. فالوقت هو أنفاسنا التي تتصاعد إلى غير عودة، فكيف لا نحرص على هذه الأنفاس، والأيام التي نهوّن من شأنها؟
كاتب وقاص