زاوية فقط
ربما يُفترض بمقاعد الدراسة المتساوية أن تقرب من الخطوات الفعلية لتشكيل مستقبل من جلسوا عليها ومن سيجلسون عليها؛ لكن ذلك التشكيل الفردي لكل منا يختلف فعلياً عن البقية. حتى وإن كان الزي المدرسي موحداً، والمناهج الدراسية موحدة، وأسئلة الاختبارات موحدة هي الأخرى.
فما يرسمه الشخص لنفسه أمر فريد، وما تقترحه عليه الحياة العملية ليقارب حدود الواقع المحيط به أمرٌ أكثر غرابة. وقد يستمع ذلك الشخص إليها في بعض الأحيان، ويعصي مقترحاتها في كثير من الأوقات التي يكون فيها إيمانه بتحقيق الحلم في قمته. بناء على قرب المسافة الذهنية بينه وبين حلمه الذي لا يمل من تقديم نفسه مجدداً لنا حالما نغفل عنه لبضعة أيام.
لكن إن نجحتْ الحياة المهنية ممثلة بسوق عمل معين في مكان ما من هذا العالم، بأن تملي علينا العمل الذي يعتقد البقية أنه الأنسب لنا، وإن سايرنا ذلك دون الاستمرار بالتفكير بمخطط الحلم الأساسي الذي بدأنا به ذلك الطريق، فإننا سنكون مجرد «خاضعين» لتقلبات سوق العمل، وعاجزين عن رؤية نجاحنا في أي مكان مختلف عنه.
وحينما يطرق السؤال المهم بابنا مجدداً قائلاً: ما أكثر ما ترغب في عمله كل يوم طيلة حياتك؟ سنقف مكتوفي الأيدي وشاردين بعيداً. فبأي حق سمحنا للنسخ المهنية الواقعية منا بالسيطرة على النسخ الحالمة، التي كانت صاخبة وحيوية في داخلنا على عتبة البدايات؟
إذاً.. سحقاً للتأقلم الهادئ مع ما تفرضه علينا وظيفة تقليدية عادية، دون أن نسقي كل شتلات الأحلام التي نثرنا بذورها في يقيننا عن سابق إصرار في وقت مضى. بناء على ذلك يجوز للواقع وللحلم أن يسيرا معاً في خطين متوازيين. فإنك لتحيا هنا، فأنت بحاجة لأن تُحيي الشغف بداخلك هناك. فتميزك مهنياً في وظيفة قد تكون أبعد ما يكون عما ظننت أنك ستقوم به في حياتك، لا يقف مطلقاً في وجه اتباعك للطريق المؤدي إلى الحلم المنشود. ولن يقف الآخرون ليمسكوا بيدك وحلمك في كل خطوة من طريق النجاح.
يقول كارل غوستاف يونغ: «أنا لست ناتج ما حدث معي في السابق، أنا ما اخترتُ أن أصبح عليه يوماً ما».
r.algebreen@alroeya.com